الرومان فصار يدفع كتائبهم أمامه (ومن ورائه جموع المسلمين) كما تدفع الريح القوية أمامها بالورق اليابس.
ولكن كثرة الزحام وشدة الالتحام في المعركة جعل فرس القائد جعفر عاجزة عن الحركة كما يجب. فاقتحم جعفر عنها ثم عقرها. توطينا لنفسه على الموت وليقفل عليها باب الطمع في الهرب -فكان أول من عقر في الإسلام أثناء القتال- وبعد أن ترجل جعفر عن فرسه أحاط به الرومان فقاتلهم قتالًا شديدًا وراية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في يده.
ثم تمكن أحد فرسان الرومان من قطع يد جعفر التي يحمل بها اللواء فحمله باليد الأخرى فحمل عليه أحد الرومان فقطع اليد الثانية. وكان الهدف أن يقع علم الجيش الإسلامي فتعم المسلمين الهزيمة.
ولكن القائد الشاب جعفر أظهر بطولة فذة لا مثيل لها، فبعد أن فقد كلتا يديه (وحفاظًا على اللواء من أن يقع على الأرض احتضنه مكبًا عليه: ليظل مرفوعًا فلا يقع أرضا. فتنهار لوقوعه معنويات المحاربين المسلمين. فبقاء اللواء منصوبا ساعة القتال له أثره النفسى الفعال في نفوس المحاربين من حيث الثبات والصمود.
ورغم استبسال جعفر وثباته هذا. فقد انتهى صموده الرائع بأن سقط شهيدًا بعد أن اعتورته سيوف الرومان وهو يحتضن اللواء في إصرار وتصميم حتى صعدت روحه الطاهرة ليأخذ مكانه بين الصديقين والشهداء.
وذكر بعض المؤرخين أن فارسا من الروم ضرب القائد جعفر ضربة بالسيف (بعد أن أثخنته الجراح) فقطعه نصفين. فوقع أحد نصفيه في كرم. فوجد في نصفه بضع وثلاثون جرحا كما وجد به طعنة من رع قد أنفذته (١).
قال ابن كثير في البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٤٤: قال ابن إسحاق: ثم التقى الناس فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شاط في رماح القوم، ثم أخذها جعفر فقاتل القوم حتى قتل.