للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيئة بمعنى هذه الكلمة.

فقد تمزقوا تمزقا شديدا حتى تبعثروا في أرجاء الميدان في حالة من الفوضى هي الهزيمة بعينها. بل إنها أشنع هزيمة تنزل بجيش إسلامي في العهد النبوى .. وصف هذه الحقيقة ابن سعد في طبقاته الكبرى (ج ٢ ص ١٣٠) بقوله -يصف حالة الجيش الإسلامي بعد مصرع قادته الثلاثة- .. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة وطاعن حتى قتل، ثم انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط، حتى لم أر اثنين جميعا. والكلام هنا لشاهد عيان هو أبو عامر.

ومن هنا كانت المهمة التي ألقيت على عاتق القائد الجديد (خالد بن الوليد) مهمة على غاية من الصعوبة والتعقيد.

فقد تولى قيادة جيش أنهكه القتال الشديد الضارى طوال أيام. فكان (وهو ثلاثة آلاف فقط) يجالد -طيلة هذه الأيام الستة- جيشا قوامه مائتا ألف مقاتل.

ومع ذلك، فقد هذا الجيش الصغير الباسل قادته الثلاثة الواحد بعد الآخر، فانفرط عقده، وفقد تنظيمه، وكان في حالة اضطراب شديد وارتباك خطير، جعلاه مهيئا لأن يدمر تدميرا كاملًا، أو يقع بكامله أسيرا في قبضة الرومان وأحلافهم من العرب المزتزقة من غير المسلمين.

وهذه الحالة التي وصل إليها الجيش الإسلامي في (مؤتة) لا يلام عليها. فرغم زخم الإيمان وثبات اليقين والبسالة النادرة التي قاتل بها هذا الجيش الصغير، فإن للطاقة البشرية حدودا.

وإذا نظرنا إلى ظروف معركة مؤتة (وخاصة بعد فقد الجيش الإسلامي قادته الثلاثة، ومضى ستة أيام عليه وهو يقاتل ذلك القتال الضارى) لوجدنا أن استمراره إلى ما لا نهاية في التصدّى لمائتى ألف مقاتل ومجالدتها هو فوق طاقة البشر.

وليس بوسع أي خبير عسكرى منصف يلم بتفاصيل وظروف معركة مؤتة لا يسعه إلا أن يعترف بأن ثبات المسلمين في وجه الرومان كل هذه الأيام هو أرقى مراتب النصر والغلبة مهما قيل عن اضطرابهم ومحاولة

<<  <  ج: ص:  >  >>