للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قام به خالد بن الوليد بعد نجاح حيلته العسكرية وخدعته الحربية البارعة.

فمع ما أنزله المسلمون في هجومهم المضاد من خسائر فادحة بين صفوف الجيش الروماني كان قادة هذا الجيش لا يزالون يعتقدون أن ما حدث من المسلمين من قتال شرس وهجوم كاسح في المرة الأخيرة. إنما هو نتيجة تلقيهم نجدات عظيمة من المدينة. ولهذا أصدر القادة الرومان إلى كافة قادة الكتائب والفرق في جيشهم بأن لا يتعقب أحد المسلمين في انسحابهم.

وقد فسر أحد الباحثين من المؤرخين إحجام الرومان عن مطاردة المسلمين المنسحبين مع قدرة الرومان الكاملة -من الناحية البشرية- على مطاردة المسلمين وإنزال أكبر خسارة ممكنة بهم أثناء انسحابهم حيث يوجد لدى الرومان وحلفائهم من سلاح المطاردة (سلاح الفرسان) ما لا يقل عن خمسين ألف فارس .. فسّر ذلك بأنه إما راجع إلى أن القيادة الرومانية العليا تعتقد أن الانسحاب الذي قام به خالد بن الوليد وجيشه في ذروة انتصاره في المعركة. إنما هو مكيدة حربية يدبرها القائد لإيقاع الجيش الروماني -إذا ما تتبع المنسحبين المسلمين- في كمائن قد أعدها (مقدمًا) .. ولا أحد يجيد الكمائن وإحكامها مثل العرب. فأحجمت القيادة الرومانية لذلك عن تعقب المسلمين في انسحابهم رغم قلة عددهم ورغم كونهم يتحركون في انسحابهم داخل أراض رومانية. بل ورغم أن الرومان يعرفون أن المسلمين سيقطعون (أثناء انسحابهم) مسافة ستمائة ميل، مزروعة كلها بأناس وثنيين أو عرب متنصرة يناصبون الإسلام والمسلمين العداوة والخصومة.

وإما أن إحجام الرومان عن المطاردة راجع إلى أن الرومان (كما أشار الأستاذ محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد) قد فرحوا وكانوا مسرورين لانسحاب المسلمين من ميدان المعركة التي لم يستطع الرومان أن يسجلوا على المسلمين النصر الذي كانوا يأملون الحصول عليه رغم كثرتهم الغامرة الهائلة ورغم قلة المسلمين القليلة، بل لقد أنزل هؤلاء المسلمون بالرومان خسارة كبيرة قبل أن يصل إليهم هذا المدد -الذي توهم الرومان

<<  <  ج: ص:  >  >>