للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أسماء، أين بنو جعفر فجئت بهم إليه فضمهم وشمهم، ثمَّ ذرفت عيناه فبكى، فقلت: أي رسول الله، لعلك بلغك عن جعفر وأصحابه شيء قال نعم. أصيبوا هذا اليوم. وفي رواية لعلك بلغك عن جعفر شيء؟ فقال: . نعم، قتل اليوم. قالت: فقمت أصيح واجتمع إليّ النساء. قالت فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يا أسماء لا تقولى هُجرًا (١) ولا تضربى صدرًا. قالت: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل على ابنته فاطمة وهي تقول: واعماه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: على مثل جعفر فلتبك الباكية. ثمَّ قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم. . وفي رواية: (لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعامًا، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم).

وروى عن عبد الله بن جعفر أنَّه قال: أنا أحفظ حين دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمى فنعى لها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسى ورأس أخي، وعيناه تهرقان الدموع حتى تقطر لحيته. ثمَّ قال: اللهم إن جعفرًا قد قدم إلى أحسن الثواب فأخلفه في ذريته بأحسن مما خلفت أحدا من عبادك في ذريته.

ثمَّ قال: يا أسماء ألا أبشرك؟ قالت: بلى، بأبي أنت وأمى قال: فإن الله عَزَّ وَجَلَّ جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة قالت: بأبي وأمى يا رسول الله، فأعلم الناس ذلك. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ بيدى يمسح بيده رأسى حتى رقى على المنبر وأجلسنى أمامه على الدرجة السفلى، والحزن يعرف عليه، فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه، ألا إن جعفرًا قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة، ثمَّ نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل بيته وأدخلنى وأمر بطعام فصنع لأهلى. وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده، والله غداء طيبا مباركا، عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته، ثمَّ نسفته، ثمَّ أنضجته وأدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلا. فتغديت أنا وأخى معه، فأقمنا ثلاثة أيام في بيته، ندور معه كلما صار في إحدى بيوت نسائه ثمَّ رجعنا إلى بيتنا. فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أساوم


(١) الهجر (بضم أوله وسكون ثانيه) قال في الإِصحاح ص ٨٥١: هو الإفحاش في القول.

<<  <  ج: ص:  >  >>