للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على" على بعد سبعة أميال من المدينة.

وقد بدأت المرأة سارة في تنفيذ المهمة التي كلفها بها حاطب، فلجأت لإخفاء كتابه إلى قريش إلى أسلوب غاية في التعمية، فقبل أن تغادر المدينة نَفَشَت شعر رأسها ثم دست الكتاب فيه ثم فتلت عليه إحدى جديلتيها، ثم أرسلتهما بعد أن اختفى فيهما الكتاب تمامًا، ثم انطلقت في اتجاه مكة لإكمال المهمة.

وقد نجحت في مغادرة المدينة دون أن يراها أحد من الحراس (البوليس الحربي) المكلفين بحراسة الطرق ومراقبة من يمر بها.

غير أن هذه الجاسوسة لم تكد تصل إلى ذي الحليفة حتى اكتشف الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرها وأمر مرسلها حاطب. وذلك عندما جاءه الوحى ينذره بذلك، فسارع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاستدعى علي بن أبي طالب والزبير بن العوّام بأن يلحقا بالمرأة الجاسوسة ويأخذا منها الكتاب الذي كان حاطب قد دفعه إليها لتسلمه زعماء قريش حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: أدركا امرأة قد بعث معها حاطب بن أبي بَلتعةَ بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم (١).

فأسرع على والزبير يتبعان الجاسوسة (سارة)، ولم يطل بهما البحث فقد وجداها راكبة جملًا لها في مكان قريب من المدينة يقال له: الخليفة (بضم الخاء)، خليفة بني أبي حمد (٢). فاستوقفاها ثم طلبا منها النزول، فنزلت. وهنا قاما بتفتيش رحلها تفتيشًا دقيقًا فلم يجدا أي أثر للكتاب الذي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألاها عن الكتاب المذكور فأنكرت أن يكون لها أيّ علم به، فشدّدا عليها وحلفا بالله: ما كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا كُذبنا. ثم أنذراها بأنهما إذا لم تعطهما الكتاب الذي معها سيضطران إلى تفتيشها حتى ولو أدَّى الأمر إلى تكشيفها قائلين: لتخرجنّ هذا الكتاب أو لنكشفنَّك. فلما رأت منهما الجد انهارت فاعترفت. ثم


(١) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٤١.
(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>