للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك عامة الصحابة وسواد الجيش الذي يقوده والذي بلغ عشرة آلاف محارب لم يعلموا على وجه التحديد إلى أين يريد التوجه بهم وعلى من يريد بهم أن يغير. وطريق الكتمان والتعمية والتورية في العمليات العسكرية هي دائمًا (إلا في النادر) طريقة الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -. وهي خطة من أهم وسائل تحقيق الظفر بالعدو.

وقد كان بعض قادة القبائل (وخاصة الأعراب) يحاولون التعرُّف على الجهة التي يريد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيسألون فلا يجدون جوابًا شافيًا لهم.

فهذا عيينة بن حصن الفَزَارى (وقد أسلم) عندما وصل الجيش قديدًا (١) سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما رآه يعبئ الجيش ويوزع الرايات على قادة الكتائب: فأين وجهك يا رسول الله؟ فلم يزد الرسول في إجابته على أن قال: حيث يشاء الله (٢).

وهذا كعب بن مالك فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشاعر الإِسلام المفلق حاول أن يستكشف للصحابة ويحصل من الرسول على علم بالجهة التي يريدها بهذا الجيش الكبير فلم يفلح.

فقد جاء في كتب السير والمغازى ما يفيد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظل ملتزمًا الصمت لا يدرى أصحابه إلى أين يتحرك بهم حتى بعد أن وصل قرب حدود الحرم.

يدل على ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما نزل بالجيش في وادي العرج (٣) وهو من وديان الطائف. قال كعب بن مالك لمجموعة من سادات المهاجرين والأنصار -وكانوا تواقين إلى معرفة الجهة التي يريد الرسول الزحف عليها أيقصدُ ثقيفًا أم هوازن أم قريشًا-: آتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعلم لكم على وجهه فجاء كعب فبرك بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه، ثم قال:


(١) قديد (بضم أوله وفتح ثانيه) قال ياقوت: موضع قرب مكة.
(٢) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨٠٣.
(٣) العرج (بفتح أوله وسكون ثانيه) قال في معجم البلدان. قرية جامعة في واد من نواحى. الطائف وهي لبنى نصر بن معاوية قوم قائد هوازن في حنين مالك بن عوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>