للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكلفة باحتلال مكة، وتحريرها قامت قطعات الجيش النبوي باستعراض في المنطقة التي فيها تجمَّع الجيش وهي سهل يقع في الناحية الشمالية الغربية خارج أبنية مكة إزاء الحجون والخندمة.

فقد ذكر المؤرخون أن الرسول لما أكمل جيشه. الاستعداد لدخول مكة اغتسل ثم دعا براحلته القَصوى فأدنِيت له إلى باب قُبته، ودعا للبس السلاح والمغفر على رأسه وقد صف له الناس والخيل تمعج (١) بين الحجون والخندمة.

وقد شهد أهل مكة بأم أعينهم تجمُّع الجيش النبوي وهو يتهيأ للانطلاق، كل فرقة نحو المنطقة التي حُددت لها من مكة. وقد رأى أهل مكة هذا الحشد والاستعراض والاستعداد والتنظيم من رؤوس الجبال.

فقد ذكر ابن هشام هذا المشهد الرائع للجيش النبوي (كما وصفه شاهد عيان من قمة جبل أبي قبيس) فقال: (لما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذى طوى) قال أبو قحافة (والد أبي بكر الصديق لابنة من أصغر بناته (٢). أي بنيَّة، اظهرى بي على أبي قبيس، قالت وقد (كُفَّ بصره) قالت فأشرفت به عليه، فقال: أي بنيَّة ماذا ترين؟

قالت: أرى سوادًا مجتمعا قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلا يسعى بين يدي ذلك مقبلًا ومدبرًا. قال: أي بنية، ذلك الوازع (٣) يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها، ثم قالت: قد والله انتشر السواد، قالت: فقال، قد والله دفعت الخيل، فأسرعى بي إلى بيتي، فأسرعت به، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته (٤).

وذكر الواقدي أن الفتاة قريبة بنت أبي قحافة كانت ترعب من الخوف، فقال لها أبوها - حين رأى ما بها من الخوف -: يا بُنية لا تخافى، فو الله إن أخاك عتيقًا (يعني أبي بكر) لآثر أصحاب محمد عند محمد (٥).


(١) معج، أي أسرع.
(٢) قال الواقدي: واسمها قريبة (بضم القاف).
(٣) الوازع هنا: هو الذي ينظم الجيش ويضبط صفوفه فكأنه يكفه عن التفرق والانتشار الفوضوى استعدادا للانطلاق بعد الأمر من القائد.
(٤) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٤٨.
(٥) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>