للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل مكة. كما أعلن بعض التشريعات التي يجب العمل بها. وأبطل عادات الجاهلية إلا سدانة البيت وسقاية الحاج. كما حرَّم التعامل بالربا وأسقط الفوائد المترتبة على التعامل سابقًا بالربا والمتبقية لأصحابها. كذلك أعل حرمة مكة المكرمة إلى يوم القيامة .. كذلك أعلن وحدة النوع البشرى أن لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى.

فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في خطبته هذه:

الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم خاطب أهل مكة - الذين كانت قلوبهم تركض جزعًا تكاد تقفز من صدورهم خوفًا من أن يحاسبهم ويجازيهم على ما ارتكبوا من جرائم في حقه وفي حق أصحابه أيام قلتهم وضعفهم بمكة - يا معشر قريش، ويا أهل مكة: ما ترون أني فاعل بكم؟ وفي رواية .. ماذا تقولون وماذا تظنون؟ قالوا: نظن خيرًا ونقول خيرًا: أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت. وهنا تجلّى الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - عن أكرم معدن إنسانى عرفته البشرية من لدن آدم. فقد أسقط عن قريش كل عقوبة بإمكانه أن ينزلها بهم ومنحهم عفوًا عامًا شاملًا مطلقًا وبأسلوب حان رقيق أعاد إلى نفوسهم القلقة المضطربة كل طمأنينة واستقرار حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. اذهبوا فأنتم الطلقاء".

قال الطبري: فأعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنْوة وكانوا له فيئًا، فبذلك يُسمَّى أهل مكة الطلقاء (١).


(١) اختلف المؤرخون والفقهاء وأصحاب الحديث. هل فتحت مكة عنوة أم صلحًا. فالذي عليه الجمهور أنها فتحت عنوة، والذي عليه الشافعي أنها فتحت صلحا، والواقع أن الاتفاق بين مندوب قريش أبي سفيان بن حرب، وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تم على أن مكة ستفتح صلحا كما تقدم تفصيله من هذا الكتاب إلا أن مقاومة بعض القرشيين واعتراضهم قطعات خالد بن الولد بالسلاح في الخندمة مما أدى إلى مقتل ثلاثين رجلا من الفريقين يمكن اعتباره نقضا لاتفاقية الصلح المذكورة، وعليه تكون مكة فتحت عنوة وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما عفا عن أهل مكة ولم يقسم شيئًا من أموالهم كغنيمة ولا ذراريهم كسبايا، كان ذلك من باب التكرم والتسامح تأليفا للقلوب وهذا هو الأقرب إلى الصواب. فمكة فتحت عنوة، ولكن الرسول لم يجر عليها وعلى أهلها أحكام العنوة والاقتحام.

<<  <  ج: ص:  >  >>