للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن أمه "أي عبد الله بن سعد" كانت تحملنى وتمشيه، وترضعنى وتقطعه، وكانت تلطفنى وتتركه. فهبه لي. فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجعل عثمان كلما أعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجهه استقبله فيعيد عليه هذا الكلام، فإنما أعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه، لأنه لم يؤمنه، فلما رأى أن لا يقدم أحد وعثمان قد أكب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل رأسه وهو يقول: يا رسول الله، تبايعه فداك أبي وأمى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما منعكم أن يقوم رجل منكم إلى هذا الكلب فيقتله؟ أو قال: (الفاسق) فقال عباد بن بشر: ألا أومأت إلى يا رسول الله؟ فوالذي بعثك بالحق إني لأتبع طرفك من كل ناحية رجاء أن تشير إليَّ فأضرب عنقه، ويقال: قال: هذا أبو اليسر، ويقال عمر بن الخطاب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لا أقتل بالإِشارة وقائل يقول: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال يومئذ: إن النبي لا تكون له خائنة الأعين (١).

فبايعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يفر من رسول الله كلما رآه خجلا، فقال عثمان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ببلى أنت وأمى لو ترى ابن أم عبد الله يفر منك كلما رآك، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أو لم أبايعه وأؤمنه؟ قال: بلى أي رسول الله. ولكنه يتذكر عظيم جُرمه في الإِسلام. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الإِسلام يجبُّ ما كان قبله، فرجع عثمان إلى ابن أبي سرح فأخبره، فكان يأتي فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الناس (٢).

وقد ذكر المؤرخون أن عبد الله بن سعد بن سرح حسن إسلامه، ولم يحفظ عليه أو يظهر منه ما يعيبه في دينه وينكر عليه (٣).

بل لقد كانت آثاره عظيمة في حقول الجهاد ورفع راية الإِسلام وإعزاز


(١) أي يضمر في نفسه غير ما يظهره. فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان. وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين سميت خائنة الأعين كذا قال في النهاية في غريب الحديث ج ٢ ص ٦.
(٢) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨٥٦.
(٣) انظر أسد الغابة ج ٣ ص ٣٦٤ والاستيعاب ج ٣ ص ١١٨ وتهذيب الأسماء واللغات ج ١ ص ٢٧٠ وجوامع السيرة (لابن حزم) ص ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>