للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما سمع صاحبها (أي سادنها) السلمي بمسير خالد إلها، وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول:

أيا عزّ شدى شدة لا شوى لها ... على خالد ألقى القناع وشمرى

أيا عز إن لم تقتلى المرء خالدًا ... فبوئى بإثم عاجل أو تنصرّى (١)

فلما انتهى إليها خالد هدمها ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢).

وفي رواية بعض المؤرخين، أن خالدًا لما هدم العزى ورجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: هدمت؟ قال: نعم يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل رأيت شيئًا ما؟ قال: لا. قال: فارجع فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها. فرجع خالد وهو متغيظ، فلما انتهى إليها جرد سيفه، فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة، ناشرة الرأس فجعل السادن يصيح بها. قال خالد وأخذنى اقشعرار في ظهرى فجعل يصيح:

أيا عزّ شدى شدة لا تكذبى ... على خالد ألقى القناع وشمرى

أيا عز إن لم تقتلى المرء خالدا ... فبوئى بذنب عاجل أو تنصّرى

فأقبل خالد بالسيف إليها وهو يقول:

يا عزّ كفرانك لا سبحانك ... إني وجدت الله قد أهانك

فضربها بالسيف فجزلها (٣) باثنين ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: نعم تلك العزى وقد يئست أن تعبد ببلادك أبدًا ثم قال خالد، أي رسول الله، الحمد لله الذي أكرمنا وأنقذنا من الهلكة. إني كنت أرى أبي يأتي إلى العزى بحتره (٤). مائة من الإبل والغنم فينبها للعزى ويقيم عندها ثلاثًا ثم ينصرف إلينا مسرورًا. فنظرت إلى ما مات عليه أبي وذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله، كيف خدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن هذا الأمر إلى الله، فمن يسّره للهدى تيسر، ومن يسره للضلالة كان فيها. وكان هدم العزى


(١) أو تنصرى: أن انتصرى.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٩٧.
(٣) جزل بمعنى قطع.
(٤) قال في الصحاح: الحتر، بكسر الحاء: العطية اليسيرة، وبالفتح: الصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>