إلا أن المعلومات عما يجرى في ديار هوازن ضد المسلمين لم تكن متكاملة لدى الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - لأن أحدًا من رجال استخباراته (بالذات) لم يكن قد ذهب إلى ديار هوازن، واختلط هناك بالقوم ورأى بعينه وسمع بأُذنه ما يجرى ضد المسلمين.
لذلك قرر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث رجلًا من أصحابه إلى ديار هوازن ليجمع له كل المعلومات اللازمة عن كل ما يجرى هناك ضد المسلمين.
فكان رجل الاستخبارات الذي وقع عليه اختيار النبي - صلى الله عليه وسلم - للقيام بهذه المهمة الخطيرة، رجلًا من بني سليم المجاورة ديارهم لديار هوازن، وهذا الرجل هو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي (١). الصحابي الشهير، والبطل المشهور في معارك خيبر.
فقد استدعاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكلفه بأن يذهب إلى ديار هوازن، وأن يتنكر لئلا يعرف أحد من هوازن حقيقته، ولكى يتمكن من الاختلاط بهم، ويعرف كل ما يجب أن يلم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومدى قوتهم وأى الطرق يريدون سلوكه، إلى غير ذلك مما يجب أن يعرفه قائد مسئول عن حقيقة عدوه من كل النواحى.
وقد صدع ابن أبي حدر بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فذهب إلى مقر قيادة هوازن بأرضهم فاختلط بمختلف القيادات الرئيسية والفرعية هناك، واندس داخل جموع القبائل، واستمر هناك عدة أيام يدوِّن في ذاكرته كل ما يهم رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من معلومات عن تلك الحشود الهوازنية.
وبعد أن رأى عبد الله بن أبي حدرد، أنه قد حصل على ما فيه الكفاية من معلومات يحتاجها الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - انسل من بين جوع هوازن التي توافدت الآلاف من كل عشيرة وفخيذة منها إلى حيث يعسكر قائدها العام مالك بن عوف النصرى مجيبة دعتهه إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكانت هوازن (كما قلنا) جيلًا عظيمًا ذا أفخاذ وبطون عظيمة تحتل ديارها مساحة عظيمة من الجزيرة متداخلة من الحجاز ونجد. فهي قبيلة حجازية نجدية.
(١) انظر ترجمة عبد الله بن أبي حدرد في كتابنا (غزوة خيبر).