ذلك أن الحالة تعتبر (باطنيًا) داخل مكة غير مستقرة .. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يمض على سيطرة قواته على مكة أكثر من سبعة عشر يومًا. ومكة كانت معقل الوثنية وبها أعظم رؤوس قريش الذين لم يتركوا وسيلة للقضاء على الإسلام إلا واتبعوها.
واستسلامهم للجيش النبوي وتقريرهم عدم مقاومته وهو يدخل مكة لم يكن عن اقتناع بأن الإسلام دين الحق يجب الإذعان والتسليم له .. وإنما كان عن ضعف وعدم قدرة على مواجهة الجيش النبوي عسكريًا.
ولو كانت قريش تعرف وتحس في نفسها القدرة على مواجهة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتغلب عليهم ودحرهم، لما ترددت في اتباع خطة المقاومة ولواجهت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مواجهة عسكرية لدحره .. يدل على ذلك أنها لما فوَّضت رئيسها أبا سفيان ليأخذ لها الأمان من النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيشها لمَّا يزل في الطريق لم يدخل مكة بعد، قالت لأبي سفيان ما معناه:(خذ لنا منه الأمان واقبل بأن يدخل مكة إلا أن ترى في أصحابه ضعفًا فنابذه، أي أعلن عليه الحرب).
إذن فكثير من أهل مكة بعد أن سيطر الجيش النبوي على مكة أعلنوا إسلامهم ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم .. وهذه حقيقة عبَّر عنها أحد سادتهم الذي كان حاضرًا معركة حنين .. حقيقة عبَّر عنها بقوله (حينما انهزم المسلمون في المرحلة الأولى من المعركة): بطل السحر إنها هزيمة لن تنتهي حتى الحر.
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لو تحصن بمكة واعتمد خطة قتال الشوارع في مواجهته هوازن لأصبح هو وجيشه في وضع غير مأمون، لأن الكثير من قريش قد تعود إليهم جاهليتهم فيغتنموا فرصة هجوم هوازن على مكة، فيشكلوا قوة قريشية تضرب المسلمين داخل مكة .. إنه احتمال غير بعيد، وكل قائد يكون على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بد وأن يدخل في حسابه (وهو يرسم خطة المعركة الفاصلة) هذا الاحتمال.
من هنا كانت خطة رسول الله المرسومة على أساس الخروج من مكة واصطحابه ألفين من أهلها معه في الجيش خطة حكيمة جعلت ظهره مأمونًا