صفوان بن أمية الجمحى (وهو من كبار قادة المشركين في مكة) السلاح، وعندما سأله صفوان: أغصبًا يا محمد؟ قال: بل عارية ومضمونة حتى نؤديها.
كذلك الأموال، فقد كان الجيش النبوي في أمس الحاجة إليها عندما سيطر على مكة، ورغم أنه كذلك، ورغم أنه جيش فاتح منتصر سيطر على أعظم وأكبر مدينة في بلاد العرب يوم ذاك، فإن هذا الجيش (وبأمر من قائده الأعلى النبي) قد عفّ عَنْ أن يأخذ درهمًا واحدًا أو أي شيء من أموال أهل مكة قسرًا أو بالقوة.
وكل ما فعله النبي القائد المنتصر، هو أنه لما رأى ما عليه بعض جنده من فقر وعوز وفاقة، طلب من أغنياء مكة التي فتحها أن يعطوه من أموالهم قرضًا ليخفف به من الضائقة التي يعاني منها بعض الجند من أصحابه، على أن يسدد لهم هذا القرض عندما يكون قادرًا على ذلك، فأقرضه أغنياء مكة مائة وخمسين ألف درهمًا أعادها إليهم (بعد معركة حنين) مشفوعة بالشكر والحمد لهم.
وهذا التصرف من الرسول القائد المنتصر، خُلُق لم يصل إلى مستواه في النبل والنزاهة والعفة والشرف العسكري والعدل المدني حتى هذا اليوم أحد من قادة العالم.
لقد كان بإمكانه (كفاتح منتصر على ألد عدو له) أن يأخذ بأسلوب المصادرة ما شاء من أموال أهل مكة الذين لم يتركوا وسيلة للقضاء عليه وعلى دعوته إلا واتبّعوها، ولكنه لم يفعل شيئًا من ذلك ولكن لا غرابة فهو إنما جاء لتحرير البشرية لا لقهرها وإذلالها.
قال الواقدي أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فاستلف من عبد الله بن أبي ربيعة أربعين ألف درهم فأعطاه، فلما فتح الله عليهم هوازن وغنَّمه أموالها ردّها وقال: إنما جزاء السلف الحمد، وقال: بارك الله لك في مالك وولدك، كما ذكر الواقدي في موضع آخر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - استقرض من حويطب بن عبد العزّى أربعين ألف درهم ومن صفوان بن أمة خمسين ألف درهم، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه من أهل الضعف.