للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باثنى عشر ألف مقاتل، قال رجل من أصحابه (بلهجة الإِعجاب): لو لقينا بني شيبان ما بالينا. ولا يغلبنا اليوم أحد من قلة، وذكر بعض المؤرخين أن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله لن تغلب من قلة (١).

والخلاصة أن كثرة المسلمين قد أعجبتهم إلى حد وصل مرحلة الغرور في نفوس بعض العناصر منهم، مما أدى إلى هزيمتهم في المرحلة الأولى من المعركة.

وهذه حقيقة أشار إليها القرآن الكريم بكل وضوح. فقال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَينٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئًا وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. (٢)}.

قال العلامة سيد قطب رحمه الله (في كتابه: في ظلال القرآن): (ثم لمسة للمشاعر بالذكرى وباستعراض صفحة من الواقع الذي عاشه المسلمون إذ ذاك منذ قريب يوم حنين، يوم غفلت قلوب الممسلمين لحظات عن الله مأخوذة بالكثرة في العدد والعتاد ليعلم المؤمنون أن التجرد لله وتوثيق الصلة به هي عدة النصر التي لا تخذلهم حين تخذلهم الكثرة في العدد والعتاد وحين يخذلهم المال والإخوان والأولاد.)

ثم يقول (مشيرًا إلى ما ذكره القرآن من نتائج إعجاب المسلمين بكثرتهم): والنص يعيد عرض المعركة بمشاهدها المادية وبانفعالاتها الشعورية {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئًا وَضَاقَتْ عَلَيكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيتُمْ مُدْبِرِينَ} فمن انفعال الإعجاب بالكثرة إلى زلزلة الهزيمة الروحية، إلى انفعال الضيق والحرج حتى لكأن الأرض كلها تضيق بهم وتشد عليهم. إلى حركة الهزيمة الحسية، وتولية الأدبار والنكوص على الأعقاب {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وكأنما السكينة رداء ينزل فيثبت القلوب الطائرة، ويهدئ الانفعالات الثائرة {وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} فلم تعلم


(١) مغازي الواقدي ج ٣ ص ٨٨٩ و ٨٩٠ وتفسير الطبري ج ١٤ ص ١٧٩ - ١٨٠.
(٢) التوبة ٢٥ و ٢٦ و ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>