للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا هذه الخدعة الحربية التي لجأ إليها القائد الملك مالك بن عوف النصرى.

وهذا الصحابي الجليل هو أنس بن مالك، فقد قال: لما انتهينا إلى وادي حنين وهو واد من أودية تهامة، له مضائق وشعاب، فاستقبلنا من هوازن شيء لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان قط من السواد والكثرة، قد ساقوا نساءهم وأموالهم وأبناءهم وذراريهم، ثم صُفوا صفوفًا فجعلوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال، ثم جاءوا بالإِبل والبقر والغنم. فجعلوها وراء ذلك لئلا يفرّوا (بزعمهم). فلما رأينا ذلك السواد حسبناه رجالًا كلهم، فلما تحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غلس الصبح، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، فانكشف أول الخيل -خيل سليم- موليِّة فولوا، وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين.

من هذا الوصف الذي رواه الصحابي أنس بن مالك عن خطة التضليل والإِيهام التي اتبعها ورسمها أثناء تعبئته قائد هوازن الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره .. من هذا الوصف يتضح أي خصم عنيد شجاع محنك ومدرب، واجهه المسلمون في موقعة حنين الحاسمة، التي بمهارته وحسن تعبئته لجيشه، كسبها مالك بن عوف في الجولة الأولى وكاد يركب أكتاف المسلمين ويحتل مكة لولا أن أمدَّ الله رسوله وقلة من صفوة أصحابه فَقَلَبُوا (بثباتهم بعد عون الله) ميزان القوى لصالح الإِسلام فرفعوا رصيد الجيش الإِسلامي (الذي عاد إلى الميدان) من الصفر إلى أعلى درجات النصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>