للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أربعين ألف شاة، وغنموا أيضًا عشرات الآلاف من أوقيات الفضة.

أما الذين كتبت لهم النجاة من قوات هوازن فقد عمهم الرعب ولاذوا بالفرار وعلى رأسهم ملكهم وقائدهم مالك بن عوف النصرى.

فقد ابتلعتهم الشعاب والوديان مشتتين فارين يطلب كل منهم النجاة لنفسه، تاركين نساءهم وأطفالهم وأموالهم غنيمة للمسلمين.

إنها كارثة مروّعة نزلت بهوازن لم ينزل مثلها يحيي من العرب في الجزيرة. كارثة حذر (مسبقًا) من حدوثها المحارب المجرب الشهير دريد بن الصمة الهوازنى، وناشد الشاب الملك والقائد لهوازن مالك بن عوف أن لا يوقعها بأهله وعشيرته، حين نصحه بوادى أوطاس قبل المعركة، أن يأمر بإعادة النساء والأطفال والمواشى إلى عُلياء بلاد هوازن، ويلقى المسلمين على متون الخيل، ولكن مالكًا عصى دريدًا، فوقعت الهزيمة والكارثة المدمرة التي حذر دريد مالكًا من وقوعها، ومن تصاريف القدر أن دريد بن الصمة لقى حتفه فقتل يوم حنين مشركًا، وهو ابن مائة وستين سنة، وبقى مالك وأسلم وحسن إسلامه وصار من سيوف الله على المشركين من ثقيف وغيرهم من المجاورين لبلاده.

وقد تحدث شهود العيان عن انتصار المشركين أول الأمر ثم عن هزيمتهم ثانيًا وعن الرعب الذي نزل بهم عقب تراجع المسلمين عن الهزيمة وعودتهم إلى ساحة القتال.

فعن عمرو بن زهير، عن عمر بن عبد الله العبسى عمّن أخبره، عن ربيعة، قال: حدثني نفر من قومنا حضروا يومئذ قالوا: كمنّا لهم (أي المسلمين) في المضايق والشعاب، ثم حملنا عليهم حملة ركبنا أكتافهم حتى أتينا إلى صاحب بغلة شهباء (هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، وحوله رجال بيض حسان الوجوه فقال شاهت الوجوه، ارجعوا، فانهزمنا، وركب المسلمون اكتافنا وكانت إياها (أي الهزيمة) وجعلنا نلتفت وراءنا ننظر إليهم يكدوننا، فتفرقت جماعتنا في كل وجه، وجعلت الرعدة تسحقنا حتى لحقنا بعُلياء بلادنا، فإن كان ليحكى عنا الكلام ما كنا ندرى به، مما كان بنا من

<<  <  ج: ص:  >  >>