للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرسان). نزل عن فرسه واختفى بين الأشجار في الشعاب لئلا يقع أسيرًا في يد الزبير؛ لأن مالكًا يعلم أن الزبير لن يتركه يفلت من يده.

فقد جاء في كتب التاريخ والسير أن مالك بن عوف (عقب انهزامه) وقف على مرتفع من الأرض ومعه فرسان من أصحابه، فأمرهم بأن يقفوا مكانهم حتى يمر الضعفاء ومن استطاع النجاة من الذرارى قائلًا: قفوا حتى يقضي ضعفاؤكم حتى تلتئم أخراكم.

وبعد أن مرَّ الضعفاء وأصبحوا بمنجى في مرتفعات الجبال قال لأصحابه (طالبًا الاستطلاع): انظروا ماذا ترون؟ . قالوا: نرى قومًا على خيولهم واضعين رماحهم على آذان خيولهم. قال (وكان خبيرًا عسكريا واسع الاطلاع على عادات القبائل): أولئك إخوانكم بنو سليم (١) وليس عليكم منهم بأس.

ثم قال: انظروا، ماذا ترون؟ . قالوا: نرى رجالًا أكفالًا (٢) قد وضعوا رماحهم على أكفال (٣) خيولهم قال: تلك الخزرج، وليس عليكم منهم بأس، وهم سالكون طريق إخوانهم. ثم قال: انظروا، ماذا ترون؟ قالوا: نرى قومًا كأنهم الأصنام على الخيل، قال: تلك كعب بن لؤى وهم مقاتلوكم، ثم قال: انظروا ماذا ترون؟ قالوا: نرى رجلا بين رجلين معلمًا بعصابة صفراء، يخبط برجليه الأرض واضعًا رمحه على عاتقه. قال: ذلك ابن صفية، الزبير بن العوام. وأيم الله لينزلنكم عن مكانكم.

وفعلًا، فقد هاجم الزبير مالكا وأصحابه حتى كاد يطوقهم. فلما غشيت مالكًا الخيل نزل عن فرسه، مخافة أن يقع في الأسر، ثم أخذ يلوذ ويتستر بالشجر كى لا يراه أحد من أصحاب الزبير. ثم سلك في يسوم (جبل بأعلى نخلة) فأعجزهم هربًا، وما زال ملك هوازن وقائدها موغلا في الهرب، حتى وصل وادي لية (٤) وهناك تحصن في قصر له، وبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - تحصن


(١) انظر ترجمة بني سليم في كتابنا (فتح مكة).
(٢) قال في لسان العرب: الكفل من الرجال الذي يكون في مؤخر الحرب.
(٣) قال جمع كفل (بالتحريك) وهو العجز، وقيل ردف العجز.
(٤) لية (بكسر أوله وثانيه).

<<  <  ج: ص:  >  >>