وكانوا (وهم في المسجد قبل أن يسلموا) يسمعون القراءة بالليل وتهجّد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتوضأون وينظرون إلى الصفوف في الصلاة المكتوبة، ويرجعون إلى منزل المغيرة فيطعمون ويتوضَّأون، ويكونون فيه ما أرادوا، وهم يختلفون إلى المسجد. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجرى لهم الضيافة فِي دار المغيرة، وكانوا يسمعون خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: أمرنا بالتشهد أنه رسول الله ولا يشهد به في خطبته، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولهم قال: أنا أول من شهد أنى رسول الله، ثم قام فخطب وشهد أنه رسول الله في خطبته، فمكثوا على هذا أيامًا، يغدون على النبي - صلى الله عليه وسلم - كل يوم يخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم، وكان أصغرهم، فكان إذا رجعوا إليه وناموا بالهاجرة خرج فعمد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الدين واستقرأه القرآن، وأسلم سرًّا من أصحابه فاختلف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرارًا حتى فقه، وسمع القرآن، وقرأ من القرآن سورًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نائمًا عمد إلى أبي بكر رضي الله عنه فسأله واستقرأه -ويقال: إذا وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - نائمًا جاء أبي بن كعب فاستقرأه- فبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإِسلام قبل الوفد وقبل القضية، وكتم ذلك عثمان من أصحابه، وأعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - به وأحبه.
فمكث الوفد أيامًا يختلفون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي يدعوهم إلى الإِسلام، فقال عبد ياليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى أهلنا وقومنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم، قال عبد ياليل: أرأيت الزنا؟ فإنا قوم عزَّاب بغرب (أي ببعد)، لا بد لنا منه، ولا يصبر أحدنا على العزبة.
قال: هو مما حرّم الله على المسلمين، يقول الله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}(١)
قال: أرأيت الربا؟ .
قال: الربا حرام.
قال: فإن أموالنا كلها ربا.
قال: لكم رؤوس أموالكم، يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا