بعد هذه المفاوضات والمراجعات الطويلة، وبعد تداول أعضاء الوفد الثقفى فيما بينهم الرأي استصوبوا رأى سفيان بن عبد الله، تغلب وازع العقل على نداء العاطفة فدخلت ثقيف في الإِسلام دونما قيد أو شرط، إلا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يُعفى ثقيفًا من تحطيم صنمها اللات وبقية أصنامها بأيديها.
قال الواقدي: وكمل الصلح، وكتب ذلك خالد بن سعيد فلما كمل الصلح، كلموا النبي - صلى الله عليه وسلم - يدع الربَّة ثلاث سنين لا يهدمها، فأبى، قالوا: سنتين، فأبى. قالوا: سنة، فأبى. قالوا: شهرًا واحدًا، فأبى أن يوقِّت لهم وقتًا. وإنما يريدون بترك الربَّة لما يخافون من سفهائهم والنساء والصبيان، وكرهوا أن يروعوا قومهم بهدمها، فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعفيهم من هدمها. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم أنا أبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمانها، واستعفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكسروا أصنامهم بأيديهم، وقال: أنا أمر أصحابي أن يكسروها.
وسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعفيهممن الصلاة.
فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا خير في دين لا صلاة فيه.
فقالوا: يا محمد أما الصلاة فسنصلى، وأما الصيام فسنصوم. وتعلموا فرائض الإِسلام وشرائعه، وأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصوموا ما بقى من الشهر، وكان بلال يأتيهم بفطرهم، ويخيَّل إليهم أن الشمس لم تغب، فيقولون: ما هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا استبار لنا، ينظر كيف إسلامنا. فيقولون: يا بلال ما غابت الشمس بعد، فيقول بلال: ما جئتكم حتى أفطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان الوفد يحفظون هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تعجيل فطره. وكان بلال يأتيهم بسحورهم قال: فأسترهم من الفجر (١).
هكذا أسلمت ثقيف، وبدخولها في الإِسلام لم تتبق في جزيرة العرب قوة ذات شأن تناوي الإسلام. وبعد إسلام ثقيف أخذت الوفود من جميع أنحاء