للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مباشرة الحرب، فاشتبك معهم المسلمون، فدارت بين الفريقين معركة انتهت بفوز المسلمين وهزيمة المشركين، وبهذا تم تطهير ذلك الجيب الوثنى الصغير المتبقى بناحية ضريَّة.

ومن عجيب المفارقات التي تأتي نتيجة الاختلاف في العقيدة أن أحد الأعيان المشتركين في سرية الضحاك بن سفيان (وهو الأصيد بن سلمة) لقى أباه سلمة في صفوف المشركين، فدعاه إلى الإِسلام، وأعطاه الأمان، فسبَّه, وسبّ الإِسلام.

فما كان من الأصيد إلا أن حمل على أبيه - وكان أبوه فارسًا - فضرب الأصيد عرقوب فرس أبيه، فلما وقع الفرس في الماء، ارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك به لئلا يغرق، فحمل عليه أحد جنود السرية فقتله، ولم يقتله ابنه، ولكنه يسر لغيره من المسلمين قتله غير آسف، حين عقر فرسه.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعث إلى القرطاء البكريين هؤلاء بكتاب يدعوهم فيه إلى الإِسلام، فاستهزأوا به وبكتابه، فأخذوا الصحيفة التي تحمل دعوتهم إلى التوحيد، فغسلوها من الحبر، ثم رقعوا بها إست دلوهم، وأبوا أن يجيبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ما دعاهم إليه.

فأنكرت امرأة عاقلة فهم ما فعلوا بكتاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي أم حبيب بنت عامر بن خالد بن عمرو، ابنة ابن أخي سيد القوم حارثة بن عمرو .. أنكرت عليهم واستهجنت ما صنعوا، فقالت - وقولها يدل على أنها مسلمة -:

أيا ابن سعيد لا تكونن ضحكة ... وإياك واستمرر لهم بمرير

أيا ابن سعيد إنما لقوم معشر ... عصوا منذ قام الدين كلّ أمير

إذا ما أتتهم آية من محمد ... محوها بماء البئر فهي عصير (١)

ويذكر أصحاب السير أن القرطاء لما فعلوا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فعلوا


(١) هذا البيت فيه إقواء، وهو عيب في الشعر، ولكن هكذا جاء في مغازي الواقدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>