للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن سعد (١): كنت أصغر أصحابي وكنت مقريهم في تبوك، فلما نزلنا (أي الحجر من ديار ثمود) عجنت لهم ثم تحينت العجين، وقد ذهبت أطلب حطبًا، فإذا منادى النبي - صلى الله عليه وسلم - ينادى: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركم ألا تشربوا من ماء بئرهم، فجعل الناس يهرقون ما في أسقيتهم، قالوا يا رسول الله قد عجنا. قال: أعلفوه الإِبل. قال سهل: فأخذت ما عجنت فعلفت نضوين فهما كانا أضعف ركابنا.

قال: وتحولنا إلى بئر صالح النبي - عليه السلام - فجعلنا نستقى من الأسقية ونغسلها، ثم ارتوينا فلم نرجع يومئذ إلا ممسين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تسألوا نبيكم الآيات "أي المعجزات"، هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم آية فكانت الناقة ترد عليهم من هذا الفلج، تسقيهم من لبنها يوم وردها ما شربت من مائها، فعقروها فأوعدوا ثلاثًا وكان وعبد الله غير مكذوب فأخذخهم الصيحة فلم يبق أحد منهم تحت أديم السماء إلا هلك، إلا رجل في الحرم، منعه الحرم من عذاب الله. قالوا يا نبي الله: من هو؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبو رغال أبو ثقيف. قالوا: فما له بناحية مكة؟ قال: إن صالحا بعثه مصدقًا "أي جامعًا للزكاة" فانتهى إلى رجل معه مائة شاة شصص (٢) ومعه شاة والد ومعه صبى ماتت أمه بالأمس. فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلنى إليك، فقال: مرحبًا برسول الله وأهلا، خذ، قال: فأخذ الشاة اللبون، فقال: إنما هي أم هذا الغلام بعد أمه، خذ مكانها عشرًا، قال: لا، قال: عشرين، قال: لا، قال: خمسين، قال: لا، قال: خذها كلها إلا هذه الشاة، قال: لا، قال: إن كنت تحب اللبن فأنا أحبه، فنثر كنانته ثم قال: اللهم


(١) هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة، خزرجى من الأنصار، وكان اسمه حزنا، فسماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - سهلًا، قال الزهري: توفى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسهل ابن خمس عشرة سنة، وقد أدرك سهل ولاية الحجاج، روى عن سهل أئمة التابعين، سعيد بن المسيب والزهرى وأبو حازم وابنه عباس بن سهل وغيرهم، توفى سهل سنة إحدى وتسعين وقد بلغ مائة سنة، ويقال: إنه آخر من بقى من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وكان يصبغ لحيته باللون الأصفر، كان يقول: لو مت لم تسمعوا من أحد يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) شصص جمع شصوص بضم الشين: والنصوص، الشاة التي قل لبنها جدا أو ذهب (النهاية ج ٢ ص ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>