للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ذكر المؤرخون أن ذا البجادين المزني "وقد تقدمت قصة إسلامه في هذا البحث" قال: يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة، فقال: أبلغنى لحاء سمرة. فأبلغه لحاء سمرة، فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عضده وقال: اللهم إني أحرم دمه على الكفار، فقال: يا رسول الله، ليس أردت هذا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك إذا خرجت غازيًا في سبيل الله فأخذتك الحمّى فقتلتك فأنت شهيد، ووقصتك دابتك فأنت شهيد، لا تبال بأية كان. فلما نزلوا تبوكًا فأقاموا بها أيامًا توفى عبد الله ذو البجادين. فكان بلال بن الحارث يقول: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفًا بها، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وإذا أبو بكر وعمر يدليّانه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أدنيا إليّ أخاكما، فلما هيأه لشقه قال: اللهم إني قد أمسيت عنه راضيًا فارض عنه. قال: فقال عبد الله بن مسعود: ليتنى كنت صاحب اللحد (١).

قال الواقدي: وكان عبد الله ذو البجادين هذا من مزينة، وكان يتيمًا: لا مال له، قد مات أبوه فلم يورثه شيئًا، وكان عمه ميلًا (٢) فأخذه وكفله حتى كان قد أيسر، فكانت له إبل وغنم ورقيق، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الإسلام، ولا يقدر عليه من عمّه، حتى مضت السنون والمشاهد كلها، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتح مكة، راجعًا إلى المدينة، فقال عبد الله لعمه: يا عم قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدًا، فائذن لي في الإسلام، فقال: والله، لئن

اتبعت محمدًا لا أترك بيدك شيئًا كنت أعطيتكه إلا نزعته منك حتى ثوبيك. فقال عبد العزى - وهو يومئذ اسمه -: وأنا والله متّبع محمدًا ومسلم، وتارك عبادة الحجر والوثن، وهذا ما بيدى فخذه، فأخذ كل ما أعطاه، حتر جرده من إزاره، فأتى أمه فقطعت بجادًا (٣) لها باثنين فائتزر


(١) مغازي الواقدي ج ٣ ص ١٠١٤.
(٢) ميلا. قال في لسان العرب ج ١٤ ص ١٥٩: أي ذا مال.
(٣) البجاد -بكسر الباء- الكساء الغليظ الجافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>