للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقبل التوبة الصادقة من عباده إذا أخلصوا في محاكمتهم لأنفسهم بالصدق والتوبة مهما كانت معصيتهم حتى ولو كانت الشرك الأكبر {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (١).

إن هؤلاء الثلاثة من الصحب الكبرام الذين أذنبوا بتخلفهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك هم من الأنصار، وهم "كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع" وقصتهم كما رواها عامة أصحاب الحديث والسير والمفسرون كما يلي:

قال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها، غير أنى تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدًا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها.

كان من خبرى أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة "يعني غزوة تبوك" غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازًا وعدوا كثيرًا، فجلى للمسلمين أميرهم ليتأهبوا، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ .. ويستطرد كعب بن مالك فيقول: وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه، فطفقت لكى أغدو أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئًا فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه ولم أقض من جهازى شيئًا. فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز ولم أقض شيئًا، ثم غدوت ورجعت ولم أقض شيئًا ثم غدوت ورجعت ولم أقض شيئًا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارطوا، وهممت أن


(١) الزمر: آية ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>