للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما تأخر في الضح (١) والريح والحر يحمل سلاحه على عنقه وأبو خيثمة في ظلال بارد وطعام مهيأ وامرأتين حسناوين مقيم في ماله، ما هذا بالنصف، ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى أخرج - فألحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأناخ، ناضحه - يعني بعيره - وشد عليه قتبه وتزود وارتجل، فجعلت امرأتاه تكلمانه ولا يكلمهما حتى أدرك عمير بن وهب الجمحى (٢) بوادى القرى يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - فصحبه فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة: يا عمير إن لي ذنوبا وأنت لا ذنب لك فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلك ففعل عمير، فسار أبو خيثمة حتى إذا دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نازل بتبوك قال الناس: هذا راكب الطريق. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كن أبا خيثمة. فقال الناس: يا رسول الله هذا أبو خيثمة، فلما أناخ أقبل فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أولى لك يا أبا خيثمة، ثم أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خيرًا ودعا له.

هذه القصة رواها - بكل صدق ونزاهة وتجرد وأمانة - أحد الثلاثة الذين تخلفوا، وكاد أبو خيثمة أن يكون منهم لولا أنه تغلب على ضعفه البشرى فلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقى الثلاثة من الصحب الكرام (كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع) يتجرعون هموم تخلفهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن حرارة الإيمان الصادق أيقظت ضمائرهما العامرة بالصدق والطهارة والنقاء فتحملوا - نتيجة تغلب الضعف البشرى عليهم - الشيء العظيم، وكان الهم الثقيل الذي تحملوه وشعروا بثقله يكاد يقطع نياط قلوبهم بعد فوات الأوان دليل عافية في إيمانهم، فلولا هذا الإِيمان الصادق ما أشغلوا بالهم، وما تحملوا منه ما تحملوا مما كاد أن يودى بحياتهم، فقد كان بإمكانهم أن ينتحلوا الأعذار ويبرروا تخلفهم أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأي مبرر كاذب كما فعل المنافقون الذين قبل منهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عذرهم مع انطوائهم على الغش والكذب والتزوير، ولكن كيف لإيمان


(١) الضح -بكسر الضاد-: ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض.
(٢) انظر ترجمة عمير بن وهب في كتابنا "غزوة بدر الكبرى".

<<  <  ج: ص:  >  >>