للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضاف إلى ذلك قيام قطعات من الجيش النبوي هنا وهناك بتطهير جيوب وثنية صغيرة كانت واهمة بأنها قادرة على مقاومة الإِسلام والبقاء على وثنيتها مثل أهل نجران ومذحج باليمن.

بعد كل هذه الأحداث التي بعدها أصبح الإِسلام المسيطر بلا منازع على كل أقطار الجزيرة، نظر المتربصون في أنحاء الجزيرة العربية في الوضع وقاموا بمعادلة دقيقة، توصلوا بعدها إلى أن لا فائدة من إبداء أية مقاومة ضد تيار الإسلام الجارف، فقرروا - عن رغبة أو رهبة - أن يبعثوا بوفودهم إلى المدينة لتعلن دخول الجميع في الدين الجديد. فأخذت وفود العرب - منذ السنة التاسعة الهجرية حتى أوائل الحادية عشرة منها - تتبارى في التسابق إلى المدينة للدخول في الإِسلام فازدحمت المدينة بهذه الوفود. فكان ذلك نصرًا من الله العزيز القدير سجله القرآن في سورة كاملة وهي سورة النصر: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.

وقد سجل أحد أئمة المغازي هذه الحقيقة وهو محمد بن إسحاق في كتاب سيرة ابن هشام فقال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف (١) وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه. قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة: أن ذلك في سنة تسع، وإنها كانت تسمى سنة الوفود.

قال ابن إسحاق: وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحى من قريش، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن قريشًا كانوا إمام الناس وهاديهم، وأهل البيت الحرام، وضريح ولد إسماعيل بن إبراهيم (- عليه السلام -)، وقادة العرب لا ينكرون ذلك، وكانت قريش هي التي نصبت الحرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلافة، فلما افتتحت مكة، ودانت له قريش ودوخها الإسلام، وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بمحاربة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عداوته، فدخلوا في دين الله، كما قال عزَّ وجلَّ، أفواجًا يضربون إليه


(١) انظر تفصيل إسلام ثقيف في كتابنا غزوة حنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>