للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكاد تعارف مع ظلمة الليل، فصففت مع الرجال وكنت امرأة حديثة عهد بجاهلية. فقال لي الرجل الذي يلينى من الصف امرأة أنت أم رجل؟ فقلت: لا بل امرأة، فقال: إنك قد كدت تفتنيننى، فصلى مع النساء وراءك، وإذا صف من النساء قد حدث عند الحجرات لم أكن رأيته حين دخلت فكنت فيهن حتى إذا طلعت الشمس دنوت فجعلت إذا رأيت رجلا ذا رواء وذا قش طمح إليه بصرى لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوق الناس، حتى جاء رجل -وقد ارتفعت الشمس- فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته, وعليه -تعنى النبي - صلى الله عليه وسلم - أسمال ملببتين كانتا بزعفران فقد نفضا، ومعه عسيب نخلة مقشور غير خوصتين من أعلاه، وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متخشعًا في الجلسة أرعدت من الفرق (١)، فقال جليسه: يا رسول الله، أرعدت المسكينة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينظر إليّ وأنا عند ظهره: يا مسكينة عليك السكينة، فلما قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذهب الله ما كان أدخل في قلبى من الرعب.

وقد تقدم حريث بن حسان، فبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإِسلام، عليه وعلى قومه، وذكر ابن سعد في طبقاته أن حرملة بن عبد الله (٢) خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم ثم ارتحل، ثم رجع وقال: يا رسول الله ما تأمرنى أن أعمل؟ فقال: يا حرملة ائت المعروف واجتنب المنكر، ثم انصرف حتى أتى راحلته، ثم رجع وقال: يا رسول الله ما تأمرنى أعمل؟ فقال يا حرملة (ائت المعروف واجتنب المنكر وانظر الذي تحب أذنك إذا قمت من عند القوم أن يقولوه فيك لك فائته والذي تكره أن يقولوه لك إذا قمت من عندهم فاجتنبه) (٣).


(١) الفرق -بفتح أوله وثانيه- الحرف.
(٢) هو حرملة بن عبد الله بن أياس التميمي العنبرى. ذكر ابن الأثير قصته التي أوردناها, وقال: إنه يعد في البصريين.
(٣) طبقات ابن سعد الكبرى ج ١ ص ٣٢٠ - ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>