للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أشرافهم، وكان رئيسهم رجل اسمه عبد المسيح ولقبه (العاقب)، وهو من كندة، وكان أميرهم ومرجعهم في السياسة والحكم، أما أسقفهم وحبرهم وإمامهم ورئيس مدارسهم فهو أبو الحارث بن علقمة، وهو من بني ربيعة.

ولما وصلوا المدينة دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد، وعليهم ثياب الحبرة وأردية مكففة بالحرير، وأثناء وجودهم داخل المسجد قاموا يصلّون صلاتهم نحو المشرق، فأراد الصحابة اعتراضهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دعوهم، فأكملوا صلاتهم في المسجد، وقد أعرض عنهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يكلمهم (أول الأمر) فاستغربوا، فقال لهم عثمان بن عفان: ذلك من أجل زيكم هذا (أي ارتدائهم الحرير) فانصرفوا يومهم ذلك، ثم غدوا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بزى الرهبان فسلموا فردّ عليهم، ثم دعاهم إلى الإِسلام فأبوا وكثر الكلام والحجاج بينهم، وتلا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن، ولكنهم أصرّوا على رفضهم الدخول في الإِسلام، فقال لهم - صلى الله عليه وسلم -: إن أنكرتم ما أقول لكم فهلمّ أباهلكم، والمباهلة هي التي عناها القرآن الكريم، فقال تعالى: {فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (١).

فوافقوا على المباهلة (أول الأمر)، ولكنهم تراجعوا فيما بعد فجاء منهم عبد المسيح ورجلان من ذوي الرأي فيهم. فقالوا: قد بدا لنا أن لا نباهلكم فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك، فصالحهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أن يدفعوا الجزية، وأعطاهم ضمانًا كتابيا على أنهم أحرار في دينهم وآمنون على أموالهم وأراضيهم، فرجعوا إلى بلادهم، غير أن اثنين من زعمائهم وهما العاقب أميرهم وصاحب أمرهم، والسيد أحد كبارهم، رجعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلما على يديه (٢).


(١) آل عمران ٦١.
(٢) طبقات ابن سعد ج ١ ص ٣٥٧ - ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>