أمواج جند الشرك المتلاطمة حولهم وقد عادت إليهم روحهم المعنوية التي فقدها الكثير منهم وأخذوا يشقون لهم بسيوفهم طريقًا عبر صفوف العدو المحيطة بهم، وذلك بعد أن تأكدوا من سلامة قائدهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذي سمعوه يناديهم بصوته الكريم لينضموا إليه:(أنا رسول الله) حول المقر الذي ظل فيه مرابطًا بعد أن كشف المسلمون المشركين في أول المعركة.
وكان بقاء الرسول وهيئة أركان حربه في مقر القيادة وعدم اشتراكهم في المطاردة جاء (كما قال صاحب كتاب حياة محمد ورسالته) بموجب خطة وقائية.
وذلك أن الرسول عندما وضع خطة المعركة وصف رجاله للقتال أدخل في حسابه - شأن القائد اليقظ - إمكان تطور الموقف لغير صالح المسلمين (١)، فجعل ظهره وظهر أصحابه إلى جبل أُحد، ليتخذ من هذا الجبل مفزعًا يلجأ إليه إذا ما ألمت بهم كارثة.
وكان الرسول (كقائد أعلى للجيش) حين شُغل المسلمون بمطاردة العدو قد تخلف (مع بعض أركانه حربه) سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله، فلم يبرحوا مواقعهم (وكأن الجميع ظلوا يتتبعون سير المعركة وعينهم على جبل الرماة) فلم يكد الرسول يرى خالدًا ينقض على المسلمين ويحتل الموقع الذي هجره الرماة حتى أدرك عظم الخطر المحدق بالجيش الإسلامي.
ولم يكن أمامه - في تلك اللحظات - غير سبيلين اثنين يستطيع انتهاجهما ..
(١) حساب أسوأ الاحتمالات مبدأ لا يغفل عنه القادة العسكريون في الحرب.