ولا شك أنه قد اغتنم فرصة الانتكاسة التي سببتها للمسلمين غلطة الرماة، فسارع بالانسحاب (في غمرة هذه الانتكاسة وبعد أن يئس من القضاء على المسلمين) خوفًا من أن ينظموا صفوفهم من جديد ويقوموا بهجوم مضاد قد ينزل بجيش مكة هزيمة ساحقة.
ومما يدل على قلق أبي سفيان أثناء انسحابه، وأن هذا الانسحاب أشبه بالفرار، هو أنه لم يجرؤ على الاقتراب من المدينة التي كانت على بعد خطوات من جيش مكة، والتي كانت مفتوحة تمامًا وخالية من كل حراسة إسلامية، حيث لم يكن بها من الرجال سوى اليهود والمنافقين، وقلة قليلة من رجال المسلمين الذين كان أكثرهم عاجزًا عن القتال تركهم النبي - صلى الله عليه وسلم - مع النساء والأطفال.
فكانت الظروف مواتية لأبي سفيان تمامًا، للإغارة على المدينة، ولو لأخذ بعض الغنائم واعتقال بعض الأسرى وأخذ بعض السبايا، ليعود بالجميع إلى مكة، لكي يظهر بمظهر الغالب المنتصر، نعم كانت الظروف مواتية لأبي سفيان لأن يفعل هذا على الأقل، لا سيما أن المدينة وقت ذاك كانت مليئة باليهود والمنافقين الذين (بالرغم من الحلف الذي بينهم وبين المسلمين) كانت قلوبهم مع المشركين.
ولكن أبا سفيان كان في شاغل عن كل هذا (كما هو في الواقع) كان مشغولًا بالنجاة بجيشه لئلا يدخل مرة أخرى في معركة من هؤلاء الذين خبر ضراوتهم وشدة مراسهم في أول المعركة، يؤيد قولنا هذا فرار أبي سفيان وعدم ثباته أمام هذا الجيش الذي ظنه الناس منهزمًا، وقد خرج لمطاردته بقيادة النبي في حملة حمراء الأسد صبيحة اليوم الثاني لمعركة أُحد.