وإن الإنسان ليقف متململًا أمام هذه الصورة الفظيعة لتلك الفترة الأليمة في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمام تلك الآلام العميقة اللاذعة لعائشة زوجته المقربة وهي فتاة صغيرة في نحو السادسة عشرة، تلك السن المليئة بالحساسية المرهفة والرفرفة الشفيفة.
فها هي ذي عائشة الطيبة الطاهرة، ها هي ذي في براءتها ووضاءة ضميرها ونظافة تصوراتها، ها هي ذي ترمى في أعز ما تعتز به، وترمى في شرفها وهي ابنة الصديق الناشئة في العش الظاهر الرفيع، وترمى في أمانتها، وهي زوج محمد بن عبد الله من ذرية بنى هاشم، وترمى في وفائها وهي الحبيبة المدللة القريبة من ذلك القلب الكبير .. ثم ترمى في إيمانها وهي المسلمة الناشئة في حجر الإسلام، من أول يوم تفتحت عيناها فيه على الحياة، وهي زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ها هي ذي ترمى وهي بريئة غرة غافلة، لا تحتاط ليس، ولا تتوقع شيئًا، فلا تجد ما يبرؤها إلا أن ترجوا في جناب الله، وتترقب أي يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا تبرؤها مما رميت به، ولكن الوحى يتلبث لحكمة يريدها الله شهرًا كاملًا، وهي في مثل هذا العذاب.
ويالله لها وهي تفاجأ بالنبأ من أم مسطح، وهي مهدودة من المرض فتعاودها الحمى وهي تقول لأمها في أسى: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا، وفي رواية أُخرى تسأل: وقد علم به أبي؟ .
فتجيب أمها: نعم! .
فتقول: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ . فتجيبها أمها كذلك نعم.