"باسمك اللهم، فإني أحلف باللاة والعزى وأساف ونائلة وهبل، لقد سرت إليك في جمعنا وإنا نريد ألا نعود إليك أبدًا حتى نستأصلكم فرأيتك قد كرهت لقاءنا وجعلت مضائق وخنادق، واعتصمت بالخندق فاعتصمت بمكيدة ما كانت العرب تعرفها، وإنما تعرف ظل رماحها وشبا سيوفها، وما فعلت هذا إلا فرارًا من سيوفنا ولقائنا، فليت شعرى من علمك هذا، فإن نرجع عنكم، فلكم منا يوم كيوم أحد ننصر فيه النساء".
وبعد أن عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - محتوى خطاب أبي سفيان كتب إليه جوابًا يقول فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد رسول الله إلى أبي سفيان بن حرب أما بعد فقد أتاني كتابك وقديمًا غرك يا أحمق بني غالب وسفيههم بالله الغرور، وسيحول الله بينك وبين ما تريد ويجعل الله لنا العاقبة، وأما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم وأنك لا تريد لنا العاقبة، حتى تستأصلنا فذلك أمر الله يحول بينك وبينه ويجعل لنا العاقبة وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وأسافًا ونائلة وهبل حتى أذكرك بذلك - يا سفيه بني غالب - وأما قولك "من علمك" الذي صنعنا من الخندق فإن الله تعالى ألهمني ذلك لما أراد من غيظك به وغيظ أصحابك (١).
وهكذا (وبعد حصار خانق شديد دام حوالي شهر بلغت فيه حالة المسلمين من الضيق والتعب والإرهاق حد الإعياء والزلزال) هزم الله
(١) الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة ص ٩ وما بعدها، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١١٣ وما بعدها.