وعلى العموم فقد بقى اليهود في يثرب -بالرغم من هزيمتهم العسكرية وانهدام سلطانهم على أيدى أوس اليمن وخزرجها- عنصرًا قويًّا من عناصر يثرب، وخاصة في المجال المالى والاقتصادى، حيث كانوا يشكلون أقوى عنصر في هذه الناحية حتى ظهور الإسلام.
فقد كان هؤلاء اليهود يعتمدون في تنمية ثرواتهم وتوطيد نفوذهم على إعطاء القروض الربوية (والربا من مميزات اليهود) التي كانت تدر عليهم أرباحًا طائلة تجعلهم الطبقة الغنية المتميزة بين الأعراب الذين لا يحسنون هذه التجارة الملعونة، ولم يقض على سلطان اليهود المالى القاهر إلا التشريعات الإسلامية التي حرمت التعامل بالربا الذي كان العمود الفقرى لاقتصاد اليهود وتجارتهم، ولهذا فقد كان تحريم التعامل بالربا ضربة قاصمة لظهور اليهود في يثرب وغيرها من بلاد العرب.
كما أن اليهود بالإضافة إلى تعاطى الربا (ركيزتهم الإقتصادية الأولى) كانوا يمتازون ببعض الصناعات المربحة كالصباغة، والنسيج، والحدادة التي كان العرب يأنفون منها ويعتبرونها من المهن الحقيرة، كما أنهم كانوا بالإضافة إلى ذلك كله نشطين إلى حد بعيد في المجالات التجارية الأخرى، فكانوا قبل الإسلام من أكثر اليثربيين نشاطًا في الاتجار بالبر والشعير والبلح، وكانوا مشهورين باحتكار الخمر وبيعها في الجاهلية، إذ كانوا يذهبون خصيصًا إلى الشام لجلب مختلف أنواع الخمر إلى يثرب بل إلى مختلف أقاليم الجزيرة فيدر عليهم بيع الخمر أرباحًا طائلة، وكانت لهم في المدينة (حتى نزول القرآن بتحريم الخمر) حانات يرتادها الكثيرون لتعاطى الخمر، فكان اليهود لذلك كله يحتكرون