للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد مر أحد أحبار اليهود وهو شماس بن قيس، وكان عظيم الكفر شديد الحقد والضغن على المسلمين، مر على نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأوس والخزرج، فغاظ ما رآهم عليه من ألفة ومحبة -وهم الذين كانوا إلى عهد قريب- لا يلتقون إِلا في معركة تسيل فيه الدماء وتزهق فيها الأواح، فيكون عليهم (سويًا) الغرم ولليهود الغنم .. غاظ هذا اليهودى المجرم اجتماع هذين الحيين على الإسلام فأفصح عن تخوفه على الوجود اليهودى من هذا الاجتماع، لأن بقاء هذا العنصر الغريب الدخيل على الأرض العربية إنما هو مرتهن ببقاء الأوس والخزرج (كما كانوا في الجاهلية) متقاطعين متحاربين.

ولهذا قال هذا اليهودي -لما رأى الملأ من الأوس والخزرج مجتمعين متحابين في رحاب الإسلام-: قد اجتمع بنوقيلة (١) بهذه البلاد، لا والله مالنا معهم- إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار.

وهنا أمر أحد الشباب اليهود بأن يندس بين أولئك النفر وكلفه بأن يبذر بذور الفتنة بينهم ما وجد إلى ذلك سبيلا، لعلهم يختلفون وتثور الحرب الجاهلية بينهم من جديد فتصاب الدعوة الإسلامية بانتكاسة ويتقوى جانب اليهود.

فقد قال ذلك الحبر اليهودى لذلك الشاب .. إعمد إلى هؤلاء فاجلس معهم، ثم أمره بأن يضرب على أدق وتر حساس في تاريخ هاتين القبيلتين الجاهلى، له ذكرى مثيرة أليمة في نفوسهم (وخاصة الخزرج) أمره أن يحدثهم عن يوم بعاث الشهير، وهو يوم دارت فيه رحى معركة طاحنة بين الأوس والخزرج، كاد فيه الأوس يبيدون


(١) يعبر دائمًا عن الأوس والخزرج ببنى قيلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>