للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاتفقوا على أن يمتحنوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن طريق عرض هذه القضية عليه ليحكم فيها، فقالوا .. ابعثوا بهذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد، فسلوه كيف الحكم فيهما، وولوه الحكم عليهما (وكانا قد أُحصنا) فإن عمل فيهما بعملكم من التجبيه (١) فاتبعوه فإنما هو ملك، وصدقوه، وإن حكم فيهما بالرجم فإنه نبي، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه (٢).

ونفذ الأحبار ما اتفقوا عليه وذهبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرضوا عليه قضية الزانيين منهما وجعلوه إليه أمرهما ليحكم فيهما، وتعهدوا له بتنفيذ الحكم الذي يصدره. وكان الإسلام قد ترك لليهود الفصل في أحوالهم الشخصية كما هي عادته في التسامح مع أصحاب الأديان الأخرى.

ولم يتردد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قبول التحكيم سيما وأنه (بموجب المعاهدة المبرمة بينه وبين اليهود) يعتبر الحاكم الاعلى لهؤلاء اليهود بصفتهم مواطنين في ظل دولة يثرب التي يرأسها.

وقد حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الزانيين بالرجم، وهو حكم جاءت به


(١) التجبيه - عند اليهود - الجلد بحبل من ليف مطلى بقار ثم تسود وجها الزانيين المحصنين، ثم يحملان على حمارين، وتجعل وجوههما من قبل أدبار الحمارين.
(٢) روى هذا الخبر ابن إسحاق بسنده الصحيح عن ابن شهاب، وهذا القول من اليهود يدل على أنهم ما كانوا ليرضوا (في معركتهم مع النبي ودينه) بأقل من إسقاطه وتقليص ظل لينه من الوجود، يزدادون تصميمًا على ذلك كلما ازداد يقينهم بنبوة محمد ورسالته، وهذا من أشنع أنواع البغي وأحقر وأحط ضروب الحسد، وإنه لمن أنكر المنكر أن يكون التأكد من صدق قضية سببًا رئيسيًا في تكذيب هذه القضية ومحاولة إخراس صوتها الحق والإطاحة بصاحب هذا الصوت .. ولكنهم اليهود وكفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>