النبي - صلى الله عليه وسلم - (١) الذي صبر طويلًا على تحديات وتهديدات وإساءات هذا اليهودى الطاغية المتجبر الذي لم ير من النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه إلا الوفاء بالعهد.
وعندما وصل كعب بن الأشرف إلى هذه المنزلة - منزلة العدو الناكث المجاهر بعداواته المتهئ للحرب والمحرض عليها، والذي لم يبق له (مع ذلك) عهد ولا ذمة - رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا بد من وضع حد لطغيان هذا اليهودى ليتخلص المجتمع اليثربى من شروره وآثامه، لأن بقاءه هكذا حرًّا يحرض على الحرب ويعمل على الإخلال بالأمن يعني بقاء يثرب في حالة قلق واضطراب مستمر.
لذلك قرر الرسول - صلى الله عليه وسلم - القضاء على هذا اليهودى الغادر الناكث المتمرد، فانتدب لقتله الصحابي الشهير محمد بن مسلمة الأنصاري، فقام بالاشتراك مع عدد من رجال الأنصار بقتله خارج حصمه فتمكن من ذلك في قصة يطول شرحها (٢).
(١) جاء في كتاب (معجزة محمد رسول الله) الجزء الثاني ص ٢٤٦ للسيد عبد العزيز الثعالبى ما يلي: "فلما قدم الرسول المدينة جاء أحبار اليهود من بنى قينقاع وبنى قريظة إلى كعب بن الأشرف لأخذ الجوائز منه على عادتهم، فقال لهم: ما عندكم من أمر محمد، فقالوا: هو الذي كنا ننتظره، ما أنكرنا من نعوته شيئًا، فردهم ردًّا عنيفًا، قال لهم: لقد حرمتم كثيرًا من الخير، ارجعوا إلى أهليكم، فإن حقوق الناس في مالى كثير! فانقلبوا خائبين، ثم رجعوا إليه بعد مدة، وقالوا: أنا أخطأنا فيما كنا أخبرناك به أولًا، فإنا لما استأذنا علماءنا أرشدونا إلى غلطنا، وقالوا ليس هو النبي المنتظر، فرضى عنهم ووصلهم وجعل لكل من تبعهم من الأحبار نصيبًا من ماله، وكان مكلفًا بهجاء رسول الله في أشعاره، وتحريض الكفار واليهود عليه، وكان يدفعهم إلى قتاله والتأليب عليه.