للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أَساس الإدراك الصحيح والتقييم للموقف (كما هو) لدى عروة بن مسعود، ولدى سيّد الأَحابيش الحُليس بن زبَّان تبين لهما أَن النبي وأَصحابه لم يكونوا مخطئين ولا معتدين حينما جاؤوا محرمين، قاصدين تعظيم البيت فحسب، لأَن ذلك حق لهم كسائر العرب، ليس من حق أَحد أَن يحول بينهم وبين مباشرته.

وتكوَّن لدي عروة بن مسعود (آنيذ) أَن العرض النبوي الذي يدعو فيه قريشًا إلى السلم والموادعة ونبذ الحرب عرض عادل وخُطة رشد لا يجوز لقريش أَن ترفضها، لأَن هذا الرفض يجعل قريشًا (أَمام العرب) في الموقف البغيض الذي أَراد سادات مكة أَن يضعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه.

ولهذا فقد وجَّه عروة بن مسعود اللوم صراحة إلى حلفائه القرشيين، ونصحهم بأَن يقبلوا العرض النبوي القائم على أَساس إنشاء معاهدة سلام يمكن المسلمين والقرشيين.

فقد قال لهم: يا معشر قريش تتهموني؟ قالوا: ما أَنت عندنا بمتهم، ثم قال لهم: أَلستم الوالد وأَنا الولد؟ وقد استنفرت لكم أَهل عكاظ لنصرتكم، فلما بلحّوا (١) عليّ نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أَطاعني، فقالوا: قد فعلت، فقال: إني ناصح لكم شفيق عليكم، لا أَدخر عنكم نصحًا، وإن بُديلًا قد جاءَكم بخطة رُشْد (يعني العرض النبوي) لا يردّها أَحد إلا أَخذ شرًّا منها فاقبلوها منه.

ثم اقترح عليهم أَن يكون مبعوثهم ووسيطهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتفاوض معه ويتباحث حول هذا النزاع عساه أَن يتوفق لحل هذه


(١) بلحوا: أي امتنعوا من الإجابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>