ما يغتلم في نفوسهم من غيظ وحنق على المشركين. وعلى سهيل بن عمرو بالذات، وبالرغم من قدرتهم الكاملة على حماية أبي جندل الذي لم يستطيعوا أَن يصنعوا له شيئًا سوى تشييعه بالدموع وهو يغادر معسكرهم وأبوه يأْخذ بتلابيبه ويلاطم وجهه في وحشية المشرك الغليظ الفظ.
لأَن تلك الكلمة النبوية الهادئة التي أسمعها النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا جندل - وهو يوصيه بالصبر - قد جعلت لهؤلاء المسلمين حدودًا يقفون عندها في تصرفاتهم إزاءَ مأْساة أَخيهم في الإسلام أبي جندل.
فقد اعتبروا تلك الكلمة النبوية الهادئة بمثابة أَمر لهم بأَن لا يتخطوا في مساعدتهم أخاهم في الإسلام أبا جندل حدود المواساة بالتشجيع والحثِّ على الصبر والثبات حتى يكشف الله عنه الغمة ويجعل له مخرجًا. ولقد وقفوا - بالفعل - عند هذا الحد نزولًا عند رغبة قائدهم ونبيّهم الذي حرص كل الحرص على أَن يقوم المسلمون بتطبيق معاهدة ذلك الصلح نصًّا وروحًا.
كل هذه الانطباعات المشرقة المدهشة عن المسلمين ومجتمعهم الجديد، قد نقلها حاضرو صلح الحديبية من أعضاء الوفد القرشي وغيرهم إلى الجماهير القرشية في مكة، وإلى جيران مكة من كنانة وخزاعة كما هـہي، فتأثروا بها غاية التأثُّر.
وازداد ذالك السؤال الكبير إلحاحًا في نفوس العقلاء من قريش وجيران الحرم .. ترى ما هو السر في هذا كله؟ ؟ .
وما هو التفسير الحقيقي لقيام هذا المجتمع المتماسك المتحد الفاضل الذي قوامه هؤلاء الأصحاب من اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين تطلق عليھهم أبواق