وبذلك انتهت آخر مرحلة من مراحل الوجود اليهودى العابث الزنيم، الذي ظل يعبث بسكان جزيرة العرب أكثر من ألفى سنة. وبالقضاء على الكيان اليهودى العابث في خيبر، بدأ سكان الجزيرة (في ظل الإسلام الوارف) يتذوقون حلاوة الأمن والاستقرار، وأخذت أقاليم الجزيرة العربية تلفها (بسرعة) أجنحة دولة الإسلام الفتية، فبعد أقل من تسعة أشهر مضت على سقوط خيبر سقط في أيدى المسلمين أعظم معقل للشرك والوثنية وهي مكة المكرمة، ولم تمض سنتان على تطهير المسلمين خيبر من سلطان اليهود حتى دانت كل نواحى الجزيرة العربية بدين الإسلام.
- ٢ -
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ هاجر من مكة إلى المدينة، ومنذ دانت يثرب بالإسلام وخضعت لحكمه والتزمت بتعاليمه - وهو يعامل اليهود الموجودين في المنطقة معاملة اللين، وينتهج إزاءهم سياسة الصفح والتسامح كلما قاموا بنقض حلف أو خالفوا نصوص معاهدة، أو حتى لجأوا إلى تدبير مؤامرة تستهدف حياته - صلى الله عليه وسلم - أو هدم أركان النظام الإسلامي الوليد.
فقد كان يستبعد في معاملاته التأديبية (لهؤلاء اليهود عنصر الشدة والعنف) حتى أن كل العقوبات التي أنزلها بهم جزاء تآمرهم وغدرهم ونكثهم للعهود، لم يصل منها شيء إلى سفك الدم وإزهاق الأرواح.
فكان النفي من المدينة مع مصادرة بعض الممتلكات، هو أقصى عقوبة ينزلها النبي - صلى الله عليه وسلم - بهؤلاء اليهود، بالرغم من إدانتهم بما يبيح قتلهم، وبالرغم من قدرة النبي - صلى الله عليه وسلم - على إبادتهم.
لأن الهدف من العقوبة (كما هي روح الإسلام في التسامح) ليس الانتقام وإشفاء الغليل بالولوغ في الدم، وإنما الهدف دفع الخطر وحسم مادة الشر واستئصال أسباب القلق والمشاغبة، ليعيش المجتمع الجديد في جوّ من الهدوء والاطمئنان بعيدًا عن حياة الدس والفوضى والأحقاد والضغائن .. حياة ما قبل الإسلام حيث اليهود لهم اليد الطولى في تغذيتها وتصعيدها، لأن كيان هؤلاء اليهود الدخلاء لا يقوم إلا على انتشار