غير أنه بالرغم من كثرة المنتسبين إلى الإسلام في تلك الفترة، فإنه لم يستجب لهذا النداء النبوى إلا عدد قليل من أصحابه الأوفياءُ وهم الصفوة المختارة الذين أعلن الله تعالى رضاءه عنهم وهم يبايعون النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة في الحديبية بقوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}(١) الآية، وكان عدد الصفوة المختارة من هؤلاء الرجال ألف وأربعمائة.
أما المنافقون من أهل المدينة وضعاف الإيمان من الأعراب (وعدد الجميع غير قليل) وهم الذين سماهم الله بالمخلفين. . فقد تخاذلوا فلم يستجيبوا يومها لنداء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ قرروا عدم مصاحبته في هذه الرحلة التاريخية لأداء العمرة.
وذلك لما رسخ في أذهانهم المريضة من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيلاقي متاعب شديدة في هذه الرحلة وأنه ومن معه قد يتعرضون لحرب ضروس تشنها عليهم قريش التي كانت أيامها في حالة حرب مع المسلمين.
ولما كان رصيد هؤلاء المنافقين من الإيمان غير موجود فقد انعدم في نفوسهم باعث التضحية وركوب الأخطار في سبيل الله، عكس المؤمنين الصادقين الذين لبُّوا نداء نبيهم وقرروا الذهاب معه إلى مكة مهما كانت الأخطار التي يتوقعون (دونما شك) أنها ستحف بهذه الرحلة.
وذكرنا في الكتاب الخامس (صلح الحديبية) أن المحلفين من منافقى الأعراب وأهل المدينة (لينجوا بأنفسهم من المخاطر التي قد يتعرض لها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن يصاحبه في هذه العمرة) تثاقلوا وتخلفوا عن ركب الإيمان، متعللين بشتى الأعذار الكاذبة. . ومن ذلك أن اشتغالهم بأهليهم وأموالهم لا يسمح لهم بأن يكونوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الرحلة، وهو عذر باطل فنَده القرآن وردَّه عليهم:{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيسَ فِي قُلُوبِهِمْ}.
إلى أن قال تعالى كاشفًا دخائل أنفسهم المريضة: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ