ومع هذا التخاذل والتلكُّؤ فقد تركهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وشأنهم فلم يتخذ ضدهم أيَّ إجراء بل وحتى لم يندد بهم حتى أنزل الله فيهم قرآنًا كشف واقعهم السئ المشين.
ومضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لشأنهم وخرجوا من المدينة لأداء العمرة، وقد لقوا كثيرًا من المتاعب إلا أن الله تعالى أيَّدهم بنصره وتوفيقه فعادوا سالمين بعد أن سجلوا أعظم نصر أدبي وسياسي وعقائدي كما فصلناه في كتابنا الخامس من هذه السلسلة - صلح الحديبية -.
وعقب عودة المسلمين من الحديبية عظمت هيبتہم وتعاظم سلطانہهم بعد أن ارتفع رصيدهم من القوة فور توقيعهم على صلح الحديبية التاريخي وبعد أن فرضوا هيبتهم على قريش (عدوهم الرئيسى) بإجبارها على الاعتراف بهم وعقد هدنة تضع الحرب أوزارها بموجبها عشر سنوات.
وعندما أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - التعبئة بين أصحابه للزحف على خيبر، تقدم هؤلاء المخلفون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكدوا رغبتهم في الانخراط في سلك الجيش الزاحف على خيبر ومشاركة المسلمين في شرف الجهاد.
ولم يكن هدفهم في الواقع من إبداء هذه الرغبة نيل شرف الجهاد في سبيل الله كما هو شأن الصفوة المختارة من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين صاحبوه في عمرة الحديبية. . وإنما كان هدف هؤلاء المخلفين هو المشاركة في الحصول على الغنائم العظيمة التي وعد الله بها المؤمنين في خيبر، والتي أيقن هؤلاء المخلفون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه سيظفرون بها لا محالة.
غير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أخبره الله تعالى بحقيقة غايات هؤلاء المخلفين من إبداء الرغبة في الاشتراك في غزو خيبر، وأنها غايات وأهداف مادية دنيوية صرفة بعيدة كل البعد عن نية الجهاد وقصد الاستشهاد في سبيل الله، أبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم أن يشاركوه في هذا الغزو، لأن الله تعالى أنزل فيهم قرآنًا