وذكر الإمام الواقدي في كتابه المغازي (ج ٢ ص ٦٥٠ تحقيق الدكتور مارسدن جونس، نشر جامعة أكسفورد): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علم بمظاهرة غطفان اليهود عليه ومدَّهم بكتائب مسلحة ضد المسلمين، بعث - صلى الله عليه وسلم - بسيد الخزرج سعد بن عبادة إلى قائد غطفان عيينة بن حصن (وكان في حصن مرحب وقتئذ ينسق مع اليهود على ما يظهر).
ولما علم عيينة أن سعدًا مبعوث إليه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يدخله الحصن، فاعترض على ذلك القائد اليهودى مرحب قائلا: لا تدخله فيرى خلل حصننا ويعرف نواحيه التي يؤتى منها، ولكن تخرج إليه، فقال عيينة: لقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته ويرى عددًا كثيرًا، فأبى مرحب أن يدخله.
فخرج عيينة واجتمع بسعد عند باب الحصن، فأبلغ سعد عيينة رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلًا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلنى إليك يقول: إن الله قد وعدنى خيبر فارجعوا وكفُّوا، فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة، فقال عيينة: إنا والله ما كنا نسلّم حلفاءنا لشئ، وإنا لنعلم ما لك ولمن معك بما ها هنا طاقة هؤلاء (يعني اليهود) قوم أهل حصون منيعة، ورجال عددهم كثير، وسلاح، إن أقمت هلكت ومن معك، وإن أردت القتال عجَّلوا عليك بالرجال والسلاح، ولا والله، ما هؤلاء كقريش، قوم ساروا إليك، إن أصابوا منك غرّة، فذاك الذي أرادوا وإلا انصرفوا، وهؤلاء يماكرونك الحرب ويطاولونك حتى تملّهم.
هذه هي الرسالة التي طلب عيينة بن حصن من سعد بن عبادة أن يبلغها النبي - صلى الله عليه وسلم - ردًّا على رسالته الآنفة الذكر.
غير أن سعدًا قبل أن يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعيينة بن حصن: اشهد ليحضرنك في حصنك (١) هذا حتى تطلب الذي كنا عرضنا
(١) أكثر الروايات تشير إلى أن قوات غطفان الرئيسية (التي جاءت مددًا لليهود والبالغ عددها أربعة آلاف مقاتل لم يدخلها عيينة بن حصن في حصون اليهود، لأنها عادت إلى بلادها بعد أن قطعت مرحلة فقط كما صرح بذلك ابن إسحاق، وعليه يمكن القول أن وجود عيينة بن حصن في قلعة مرحب إنما كان للتفاوض والتنسيق وتفقد القوات الرمزية الغطفانية التي ترابط مع اليهود في حصونهم بقيادة حذيفة بن بدر.