ليبقى لهم بعد مطلق الحرية مع التزام المسلمين بحمايتهم، بل لا بد من هدم سلطانهم ومحو كيانهم عن طريق الحرب أو يستسلموا دونما قيد أو شرط كخونة ومتآمرين سيظلون مصدر تهديد لأمن وسلامة المسلمين إذا لم تحتل مواقعهم ويقضى عليهم فيها كقواعد للعدوان على الإِسلام والمسلمين.
وقد أثبتت التجارب (عبر سبع سنوات ذهب فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أقصى حدود التسامح مع هؤلاء اليهود) .. أثبتت بأن هؤلاء اليهود أشبه بغدة السرطان في الجسم لا يجدى معها علاج سوى استئصالها كليًّا.
فقد حصل اليهود (في ظل التسامح الإِسلامي) على ما هو أكرم لهم من قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - الجزية منهم، وهو قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن طيب خاطر وصفاء نية- أن يكون هؤلاء اليهود حلفاء للمسلمين ومواطنين لهم، آمنين على أرواحهم وأعراضيم أحرارًا في دينهم، دون أن يأخذ المسلمون منهم درهمًا واحدًا مقابل ذلك. مع كون السلطان المطلق لهم في يثرب، فقد كانوا (بموجب معاهدة يثرب) أمة مع المسلمين لهم ما هم وعليهم ما عليهم، الأمر الذي يمكن تسميته بأنهم كانوا (بموجب هذه المعاهدة) أمة ذات كيان مستقل تتساوى مع أمة الإسلام في جميع الحقوق دونما تمييز (١).
ولكن بماذا قابل اليهود هذا التسامح وحسن المعاملة وكرم المواطنة الذي جعلهم (بالرغم من كونهم أقلية يهودية أجنبية بين أكثرية عربية إسلامية) لا يشعرون بأي تغيير في حياتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية التي كانوا عليها قبل سيطرة الإسلام على يثرب؟
قابل اليهود كل هذا التسامح والكرم وشرف المقصد وحسن المعاملة بالغدر والخيانة والتآمر والعدوان ونقض العهود والمواثيق في أدق الساعات وأحرج الظروف .. خُلُقٌ إسرائيلي قبيح لازمهم ولا يزال يلازمهم منذ أن لعنهم الله على لسان داود وعيسى بن مريم.
(١) انظر كتابنا (غزوة الأحزاب) وكتابنا (غزوة بني قريظة) .. الفصل الثاني الخاص بتاريخ اليهود.