للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفوس، وإنما هو أسمى من ذلك وأرفع، وهو مواساة هذه السيدة العظيمة في قومها وإعزازها وتكريمها .. الأقوى في الدلالة على ذلك هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استرجع صفية أعتقها وبعد أن أصبحت حرّة خيَّرها بين أن تعود معززة مكرّمة إلى أهلها اليهود وبين أن تسلم وتكون زوجة للنبي - صلى الله عليه وسلم - طائعة مختارة.

غير أن الله تعالى قذف في قلبها الإِسلام فتخلَّت عن اليهودية باختيارها، فتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - فصارت إحدى أُمَّهات المؤمنين وكانت من أطيبهن نفسًا وأرجحهن عقلًا.

فقد روى الواقدي عن أُبي بن أُبى سبرة عن أبي حرملة عن أخته أم عبد الله عن ابنة أبي القين المزنيّ قالت: كنت آلف صفية من بين أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت تحدثنى عن قومها وما كانت تسمع منهم ثم ذكرت حديثًا طويلًا إلى أن قالت، فقالت صفية: "فسُبيتُ في (حصن النزار) (١) قبل أن ينتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكتيبة (أحد الأودية في الشطر الثاني من خيبر) فأرسل بي إلى رحله ثم جاءنا حين أمسى فدعانى، فجئت وأنا مقنّعة حييّة فجلست بين يديه فقال: إن أقمت على دينك لم أُكرهك، وإن اخترت الله ورسوله فهو خير لك. قالت: أختار الله ورسوله والإسلام فأعتقنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتزوجنى" (٢).

وعن صفية رضي الله عنها أنها قالت: انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما من أحد أكره إلى منه، قتل أبي وزوجى وقومى، فقال: يا صفية أما إني اعتذر إليك مما صنعت بقومك إن قومك صنعوا كذا وكذا (وأخذ يعدد الأسباب التي حملته على أن يفعل بهم ما فعل)، قالت صفية: وما زال يعتذر إلى حتى ذهب ذلك من نفسي، فما قمت من مقعدى ومن الناس أحدٌ أحب إلي منه - صلى الله عليه وسلم - ثم قالت: ما رأيت أحدًا قط أحسن خلُقًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣).


(١) حصن النزار آخر حصن افتتحه النبي - صلى الله عليه وسلم - من حصون الشق في الشطر الأول من خيبر.
(٢) مغازى الواقدي ج ٢ ص ٦٧٤ - ٦٧٥ تحقيق الدكتور مارسدن جونس.
(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٦٨ و ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>