في كل شيء مادى يحتاجه المحارب لكسب النصر، بما في ذلك ما يسمونه اليوم بـ (التكنولوجيا) حيث كان لدى يهود خيبر من الوسائل الحربية الفنية للدفاع والهجوم ما ليس لدى المسلمين منه شيء، ومع ذلك فقد هزم أولئك اليهود هزيمة ساحقة. بينما انتصر البهود علينا في حرب حزيران، وأنزلوا بنا تلك الهزيمة المخزية مع تفوقنا الساحق عليهم، في العدد ووفرة السلاح، وكل شيء مادى يحتاجه المحارب لكسب النصر.
وعليه؛ فإنه لا يمكن لعاقل منصف قبول دعوى التفوق التكنولوجى لدى اليهود، تفسير مبرر لهزيمتنا الفاضحة، وإنما التفسير الصحيح لأسباب هذه الهزيمة هو أن الإِسلام (كدين ودولة وخلق ومعاملة ومهذِّب وحافز شريف كان غائبًا كليًّا عن المعركة حيث حرصت جهات مخصوصة على إخماد صوته ومحو أيّ أثر له في نفوس المحاربين منذ الحشد لهذه المعركة - طوال عشرين عامًا - وحتى نهايتها الفاضحة الخزية. في حين أُفسِحَ المجال لشعارات مذاهب ومبادئ دخيلة مستوردة هي والإِسلام على طرفى نقيض لتحل محل الإِسلام في التوجيه المعنوى والإِعداد التربوى بين المحاربين طوال كل هذه المدة، الأمر الذي صنع الهزيمة لنا على النحو الفاضح الذي لم يشهد مثله تاريخ الأمة العربية والإِسلامية في جميع العصور.
ولا شك أن ما أصابنا إنما هو بمثابة انتقام من الله وتذكير لكى نعود إلى جادة الإسلام الذي بمعاداته ومحاربة تعاليمه والاستهزاء بها لا يمكن أن يتم لنا النصر على اليهود حتى ولو خضنا معهم ألف معركة.
ولعل أقبح ما سمعنا في دنيا الدجل والمغالطة والافتراء ما يردده عملاء الشيوعية في بلاد العرب من أن هزيمة الخامس من حزيران إنما يتمثل في تمسك العرب ببقايا الأيديولوجية الغيبية (الدين)، وأن العرب إذا، ما أرادو تحقيق نصر حاسم على إسرائيل فإن عليهم (أولًا) أن يقطعوا كل صلة تصلهم بالماضى بما في ذلك الدين، ليبنوا حاضرهم على الواقع التقدمي المستمد من تعاليم ماركس ولينين (١) لأن اتباع هذه التعاليم (بزعمهم) هو
(١) انظر كتاب (من النكسة إلى الثورة) للدكتور نديم البيطار، وكتاب نقد الفكر الدينى لمؤلفه جلال العظم.