قريش، وذلك قبل أن ينقض القرشيون وحلفاؤهم هذا الصلح.
كانت الهدنة فرصة (كما قلنا) بالنسبة للمسلمين لا بد من الاستفادة منها، فقد قرر النبي الحكيم والقائد السياسي والعسكري المحنك - وقد تراءت في الأفق أطماع الإِمبراطورية الرومانية في المسلمين والسميطرة على جزيرة العرب وصار عملاؤهم العرب المتنصرة يقتلون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - غدرًا وبالجملة - رأى أن يبعث بقوة حربية من خيرة أصحابه (هي أكبر قوة استطاع حشدها حتى ذلك الوقت منذ ظهور الإِسلام) رأى أن يبعث بهذه القوة - الحربية إلى مشارف الشام لتتوغل داخل ذلك البلد الذي يعتبر بعضًا من ممتلكات الدولة البيزنطية، ويطأها غازيًا، لإِعطاء الرومان وعملائهم المتنصرة من العرب درسًا حربيًّا قاسيًا يشطب من أذهانهم جميعًا ما رسخ فيها مما آلفوه عن المقاتل العربي قبل أن يدين بالإِسلام، والذي كان (بصورة رئيسية) إنما يقاتل كرًّا وفرًّا وفي حركات خاطفة بغية السلب والنهب فقط، ثم ينسحب سواء كسب أم خسر. إنه أسلوب بدائى في القتال لا يتناسب وأساليب اللجيونات والتفوق التكنولوجى الذي يمتاز بها الجيش الروماني.
-٧ -
كان الرومان وعملاؤهم العرب المتنصرة ينطلقون في معاملتهم المسلمين من هذه النظرة الخاطئة، وعلى أساس هذه النظرة الخاطئة، قتلوا (غدرًا أو غيلة) خمسة عشر من فضلاء الدعاة المسلمين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكان يقال له ذات الطلح داخل الشام، قتلوهم، وهم في مهمة سلمية إنسانية، هدفها نشر الإِسلام بالحسنى وطريق الإِقناع، فكان ذلك من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى نشوب معركة (مؤتة) الفاصلة، والتي استشهد فيها قادة الجيش الإسلامي الثلاثة، وتعرض الجيش النبوى الصغير فيها لمحنة قاسية لم يخلصه منها إلا مهارة القائد الفذ المحنك خالد بن الوليد الذي يشترك ولأول مرة جنديًّا ثم قائدًا في جيش إسلامي.