للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالرغم من الفشل المتلاحق الذي منيت به هذه القبائل الوثنية الشرقية الشجاعة القوية في كل محاولة تقوم بها للقضاء على المسلمين أو خضد شوكتهم فإن كثرة عدد هذه القبائل الغامر وقدرتهم القتالية الممتازة، ظلا عامل غرور يدفع بهذه القبائل العظيمة المحاربة إلى استضعاف المسلمين والتفكير دائمًا في القيام بغزوهم والإِطاحة بهم وهدم كيانهم داخل عاصمتهم المدينة.

ففي شهر شوال من السنة السابعة للهجرة (أي بعد حوالي سنة كاملة من تصفية اليهود واندحار حلفائهم الوثنيين هؤلاء في خيبر) تبلغت القيادة الإِسلامية في المدينة -عن طريق رجال استخباراتها العسكريين المنتشرين بين مضارب تلك القبائل الوثنية شرقي المدينة أن القائد الفزاري الشهير. عيينة بن حصن يقوم بتحشيد قبائل غطفان وفزارة وأشجع وأسد في منطقة يقال لها "يمن (١) وجبار (٢) "نحو الجناب وهو موضع يعارض خيبر ووادي القرى شمال شرقي المدينة.

وإن هدف هذه التجمعات الوثنية هو الزحف على المسلمين وأخذهم على حين غرة في المدينة نفسها.

فقد جاء في التقرير الشفوى الذي قدمه جهاز الاستخبارات النبوية (أن عيينة بن حصن الفزاري قد بعث إلى تللث القبائل يقول لهم: إما أن تسيروا إلينا وإما أن نسير إليكم. فأرسلوا إليه أن سر إلينا حتى نزحف إلى محمد).

غير أن ما جاء في تقرير الاستخبارات العسكرية النبوية لم يكن مفاجأة للقيادة في المدينة. فقد كانت المدينة تتوقع أن يعاود الغرور هذه القبائل الوثنية القوية، لما هي عليه من كثرة في العدد وخبرة بالحرب ولكونها أقرب القبائل الوثنية إلى المدينة التي طالما سال لعاب هؤلاء الأعراب الأجلاف. كلما تذكروا خيراتها الزراعية. التي طالما حاولوا اجتياحها وانتهابها كما فصلناه في عدة مواضع من بحوثنا المتعلقة بهذه القبائل في كتبنا الستة من هذه السلسلة.


(١) قال في مراصد الاطلاع: (يمن -بفتح أوله وسكون ثانيه- ماء لغطفان من بني قو وروءاف على الطريق بين تيماء وفيد.
(٢) جبار (بضم أوله وفتح ثانيه) ماء لبنى حميس بن عامر بن ثعلبة، بين المدينة وفيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>