وقد أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينتهوا إلى مقتل الحارث بن عمير وسمع العدو بمسيرهم فجمعوا لهم. فقام رجل من الأزد يقال له: شرحبيل بن عمرو الغساني. وقدم الطلائع أمامه، وبعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين فلقوا المسلمين بوادى القرى فقاتلوه وقتلوه ونزلوا معان من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل "مآب" من البلقاء في مائة ألف من الروم، ومعه من بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام مائة ألف" عليهم رجل من بلى يقال له مالك "بن رافلة".
فأقاموا ليلتين، وأرادوا أن يكتبوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخبر ليردهم أو يزيدهم رجالا، فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال: والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد ولا بكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، انطلقوا والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان ويوم أحد فرس واحد، فإنما هي إحدى الحسنيين .. إما ظهور "أي نصر" عليهم فذلك ما وعدنا الله ووعد نبينا، وليس لوعده خلف وإما الشهادة فنلحق بالإخوان في الجنان فشجع الناس ومضوا إلى مؤتة، فرأوا المشركين ومعهم ما لا قبل لهم به من العدد والسلاح والكراع، والديباج، والحرير، والذهب. قال أبو هريرة: وقد شهدت ذلك فبرق بصرى فقال ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة مالك؟ كأنك ترى جموعا كثيرة. قلت: نعم، قال: لم تشهدنا ببدر، إنا لم ننصر بالكثرة.
وعن ابن إسحاق "في سيرة ابن هشام ج ٤ ص ١٧ وما بعدها" ثم مضى "أي المسلمون" حتى نزلوا معان فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض الشام في مائة من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى مائة ألف منهم، عليهم رجل من بلى ثم أحد إراشة، يقال له: مالك بن رافلة.
فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وقالوا نكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال. وإما أن يأمرنا بأمره، فنمضى له.