فرعبوا وانكشفوا منهزمين، فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم. ثمَّ يسند ابن كثير رأيه هذا بقول إمام آخر في التاريخ هو موسى بن عقبة فيقول .. وهذا يوافق ما ذكره موسى بن عقبة (١) رحمه الله في مغازيه، فإنَّه قال بعد عمرة الحديبية ثم صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فمكث بها ستة أشهر، ثمَّ أنَّه بعث جيشًا إلى مؤتة. فانطلقوا حتى إذا لقوا ابن أبي سبرة الغساني بمؤتة وبها جموع من نصارى العرب والروم، بها تنوح وبهراء فأغلق ابن أبي سبرة دون المسلمين الحصن ثلاثة أيام، ثمَّ التقوا على زرع أحمر، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقتل، ثمَّ أخذه جعفر فقتل، ثمَّ أخذه عبد الله بن رواحة فقتل، ثمَّ اصطلح المسلمون بعد أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خالد بن الوليد المخزومي فهزم الله العدو وأظهر المسلمين.
ثمَّ يعلق ابن كثير على كلام موسى بن عقبة فيقول: فهذا السياق فيه فوائد كثيرة ليست عند ابن إسحاق، وفيه مخالفة لما ذكره ابن إسحاق من أن خالدًا إنما حاش بالقوم حتى تخلصوا من الروم وعرب النصارى فقط. وموسى بن عقبة والواقدى مصرحان بأنهم هزموا جموع الروم والعرب الذين معهم، وهو ظاهر الحديث المتقدم عن أنس مرفوعًا. . ثمَّ أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه، ورواه البخاري، وهذا هو الذي رجحه ومال إليه الحافظ البيهقي بعد حكاية القولين لما ذكر من الحديث. ثمَّ يستطرد ابن كثير فيقول: قلت: ويمكن الجمع بين قول ابن إسحاق وبين قول الباقين، وهو أن خالدًا، لما أخذ الراية حاش بالقوم المسلمين حتى خلصهم من أيدى الكافرين من الروم والمستعربة، فلما أصبح وحول الجيش ميمنة وميسرة ومقدمة وساقة -كما ذكره الواقدي- توهم الروم أن ذلك عن مدد جاء إلى المسلمين، فلما حمل عليهم خالد هزمهم بإذن الله، والله وأعلم.
وفي موضع آخر يقول ابن كثير (معضدًا رأيه بأن جيش الإِسلام قد انتصر في مؤتة) يقول: بعد أن يورد حديثًا مطولا رواه الإِمام أحمد عن عوف
(١) هو موسى بن أبي عياش الأسدي، يعتبر من أقدم وأوثق المؤرخين وكتابه في المغازي من أهم المصادر لمن أتى بعده من المؤرخين. وهو من طبقة ابن إسحاق والواقدي. وأثنى عليه الإمام مالك فقال: عليكم بمغازي موسى بن عقبة.