ابن مالك الأشجعي عن معركة مؤتة وقصة الجندى اليمانى الذي قتل أحد فرسان الروم وغنم فرسه وسلاحه، فصادر خالد كل ذلك من الجندى اليمانى. فشكاه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - خالدًا أن يعيد إلى الجندى اليمانى ما كان قد صادره منه (فرس الرومى وسلاحه) - يقول ابن كثير: وهذا يقتضي أنهم (أي المسلمين) غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من أمرائهم، وقد تقدم فيما رواه البخاري أن خالدًا (رضي الله عنه) قال: اندقت في يدي يوم (مؤتة) تسعة أسياف وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية، وهذا يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلًا، ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم وهذا وحده دليل مستقل والله أعلم.
ثمَّ يقول ابن كثير: وهذا هو اختيار موسى بن عقبة والواقدى والبيهقي، وحكاه ابن هشام عن الزهري. قال البيهقي رحمه الله: إنه اختلف أهل المغازي في فرارهم (أي المسلمين) وانحيازهم، فمنهم من ذهب إلى ذلك، ومنهم من زعم أن المسلمين ظهروا على المشركين، وأن المشركين انهزموا. قال: وحديث أنس بن مالك (أي الذي أخرجه البخاري) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "ثمَّ أخذها - (أي الراية) - خالد ففتح الله عليه" يدلّ على ظهورهم والله أعلم.
ثمَّ يزيد الإِمام ابن كثير رأيه تعضيدًا فيقول: وقد ذكر ابن إسحاق أن قطبة بن قتادة العذرى - وكان رأس ميمنة المسلمين - حمل على مالك بن رافلة. وهو أمير أعراب النصارى فقتله، وقال يفتخر:
طعنت ابن رافلة بن الأراش ... برمح مضى فيه ثمَّ انحطم
ضربت على جيده ضربة ... فمال كما مال غصن السلم
وسقنا نساء بني عمه ... غداة رقوقين سوق النعم
وهذا يؤيد ما نحن فيه لأنَّ من عادة أمير الجيش إذا قتل أن يفر أصحابه، ثمَّ إنه صرح في شعره أنهم سبوا من نسائهم، وهذا واضح فيما ذكرناه والله أعلم. وأما ابن إسحاق فإنَّه ذهب إلى أنَّه لم يكن إلا المخاشاة والتخلص من أيدى الروم، وسمى هذا نصرا وفتحا "أي باعتبار ما كانوا فيه من إحاطة العدو