وإنما قلنا: إن صلح الحديبية كان هو الفتح المبين، لأنه كان: مقدّمة له - لأن هذا الصلح المبارك كانت له ثمراته اليوانع. وكانت له نتائجه الباهرات، التي نلخصها في السطور التالية:
كان عقد قريش للصلح بينها وبين الرسول عليه الصلاة والسلام - على نحو ما أسلفنا - اعترافا صريحًا بالكيان السياسي لمحمد وأصحابه.
خلال إقامة الرسول والمسلمين معه في الحديبية تعرّف وسطاء قريش وحلفاؤها الذين كانت تبعث بهم لمقاومة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعرّفوا على حقيقة الدعوة الإِسلامية ممثلة في أخلاق الرسول وأصحابه وسلوكهم، خلافًا لما كانت تذيعه قريش عنهم من أكاذيب وأباطيل.
أنكر بعض هؤلاء الموفدين إلى الرسول من حلفاء قريش موقفها المتعصب من المسلمين، وبإصرارها على ردهم عن الاعتمار والطواف بالبيت الحرام، حتى أنذرها سيد ثقيف (عروة بن مسعود) الهزيمة إن هم حاربوه، وقال:"ما أراكم إلا ستصيبكم قارعة يا معشر قريش"!
كما أتيحت الفرصة - بعقد هذا الصلح - للمشركين والمسلمين معًا بالاختلاط الذي تكشَّف للمشركين فيه وضيع المسلمين وسلوكهم القويم، وأخلاقهم الرفيعة، وأثمر ذلك اعتناق كثير منهم للإِسلام، حتى بلغ عدد المسلمين يوم فتح مكة نحو عشرة آلاف، بعد أن كان يوم صلح الحديبية لا يزيد على ألفين ...
ثم جاء نقض قريش للعهد بقتالها مع حلفائها بني بكر، لحلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم -: بني خزاعة، فرصة لتخلى المسلمين عن العهد نفسه، وإعداد العدة للقيام بفتح مكة، والعودة إلى أحب أرض الله إلى الله، وإلى الرسول الكريم، وإلى المسلمين أجمعين.
وكان نقض قريش لصلح الحديبية خيرًا من خيرات (الفتح المبين) الذي بشَّر به القرآن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقد سألت عائشة الرسول: أترى قريشًا تجترئ على نقض العهد بينكم وبينهم؟ قال: ينتقضون العهد لأمر يريده الله تعالى بهم. قالت عائشة: خير أو شر؟ قال: خير ..
ويكون هذا (الخير) استجابة لدعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اهد